الجزار يتعشى باللفت… و”الدوارة” بـ 1000 درهم!

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي
كان يا ما كان، في زمن القناعة والمرق الخالي من أي أثر لحيوان، جزارٌ تعوّد أن يتعشى باللفت… لا لشيء إلا لأنه باع كل شيء، من “سقيطة” الذبيحة إلى “الشحمة” و”العظمة”، وترك أولاده يشتهون رائحة المرق كما يشتهي المتيم نظرةً من المعشوقة!
كان يملأ رؤوسهم بمواعظ من نوع:
> “اللحم يا أولادي مضر بالصحة، فيه الكولسترول، ويرفع الضغط، ويُورث النهم والبلاء”.
فيغلقون البطون ويُفتّحون العيون على طبق لفتٍ باهت، تُزينه رشة كمون وعين دامعة.
ثم انقلب الزمان، وصار عاهل البلاد – مشكورًا – يهيب بالناس استعمال العقل والتدبير:
> “ارفقوا بأنفسكم، لا تذبحوا القطيع، أعيادكم ليست مذابح بل صلاة وعبادة وتقرب الى الله من غير تكلف، وفروا المال، ودعوا الخرفان تنعم بالأمان” حتى يزيد نسلها وتكون في استطاعة المواطن اقتناؤها.
فاستبشر الناس خيرًا…
وقالوا: “هذا عام النجاة من لحوم تُقَطّع الأمعاء، وديون تُكسر الظهر “.
انخفضت أسعار الخرفان، وبدأ الأمل يلوح في عيون المواطن المسكين، كأن لسان حاله يقول:
> “قد نرى الكبدة في صحننا دون أن نرهن خاتم زواج الجدّة”.
لكن… هيهات!
خرجت علينا فصيلة جديدة من “الملهوطين”، لا من الخرفان، بل من بني الإنسان.
جزارون لا يعرفون من الذبح إلا سوقه، احتكروا العرض واستغلوا الطلب، حتى صار “الراس” بثلاث مئة درهم، و”الدوارة” بألف!
و”الكبدة” صارت تُوزن بالذهب لا بالكيلوغرام، فسعرها قفز إلى 350 درهمًا، ولسان الجزار لا يكفّ، وهو يقول:
> “هادي جودة عالية، راه المعيز ديال الجبل”.
وهكذا، صار المواطن يشتهي رائحة “شحمة” من بعيد، ويرى “الدوارة” في الأحلام، بينما يقترض ليشتري “نصف كبدة” لأطفاله الذين اعتقدوا أن الخروف كائن خرافي، يظهر في القصص ولا يعيش بينهم.
أما الجزار؟
فما زال يتعشى باللفت…
لا لأنه زاهد، ولا لأنه مقتنع بمقولة “القناعة كنز لا يفنى”، بل لأنه باع كل شيء حتى الهواء في رئة الخروف، ولا يجد في بيته ما يُسلق… سوى اللفت!
وفي النهاية، لا نلوم الجزار وحده، بل نلوم أيضًا “القطيع الآخر”… من البشر،
أولئك الذين يتهافتون على الشراء كيفما اتفق،
منهم من يقترض لأجل “راس خروف”، ومنهم من يرهن ذهب الزوجة لأجل “دوارة محترمة”…
وفي العيد، لا تسمع سوى “طق طق” الشواية… و”طنين” الديون في الأذنين.
رحم الله زمان “اللفت”،
يُغلي في القدر، بلا ضغوط دم، ولا ضغوط ديون،
وزمان “القناعة”، قبل أن تتحول إلى شعار تزين جدران الدكاكين، بينما يسكن الجوع بطون الفقراء!



