نفاد رصيد الكربون العالمي وتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية

دقت دراسة علمية حديثة ناقوس الخطر، محذرة من أن العالم يقترب بشكل خطير من تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية من الاحترار العالمي. وبحسب التقرير، لم يتبق للبشرية سوى 130 مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في “الرصيد الكربوني” المتاح قبل الوصول إلى هذه النقطة الحرجة. الخطورة تكمن في أن المعدل الحالي للانبعاثات، والذي يبلغ حوالي 53 مليار طن سنوياً، يعني أن هذا الرصيد سينفد بالكامل خلال ثلاث سنوات فقط، مما يضع الكوكب على حافة الهاوية المناخية.
تأتي هذه الأرقام الصادمة في وقت شهد فيه عام 2024 ارتفاعاً “غير مسبوق” في درجات الحرارة بلغ 1.52 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ويكشف التحليل الدقيق أن 1.36 درجة من هذا الارتفاع تعود مباشرة إلى الأنشطة البشرية (بنسبة 89%)، بينما لا تتجاوز المساهمة الطبيعية 0.16 درجة فقط. ورغم أن تجاوز عتبة 1.5 درجة لسنة واحدة لا يعني انتهاك اتفاق باريس رسمياً، إلا أنه يمثل جرس إنذار صارخ بأننا نقترب بسرعة من نقطة اللاعودة. ويشير التقرير إلى أن رصيد الكربون المتبقي لتجنب احترار بـ1.6 أو 1.7 درجة مئوية قد يُستهلك في غضون تسع سنوات فقط.
– تسارع الاحترار: 60 ضعف المعدل الطبيعي وتأثيرات مدمرة
يوضح البروفيسور جويري روجليج، عالم المناخ في إمبريال كوليدج لندن وأحد معدي التقرير، أن “الاحترار العالمي الذي نشهده يتحدد أساساً بالكمية الإجمالية لثاني أكسيد الكربون التي يطلقها البشر في الغلاف الجوي”. ويضيف أن “كل تأخير في خفض الانبعاثات يضاعف الأزمة، حيث أن السنوات العشر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مدى سرعة وصولنا إلى عتبة 1.5 درجة مئوية”.
تُظهر الدراسة، التي شارك في إعدادها 60 عالماً من مختلف التخصصات، تسارعاً مثيراً للقلق في معدلات الاحترار. فبينما كان معدل الارتفاع في درجات الحرارة أثناء الخروج من العصر الجليدي الأخير (أحد أسرع فترات الاحترار الطبيعي في تاريخ الأرض) لا يتجاوز 0.02 درجة مئوية لكل عقد، فإن المعدل الحالي بلغ 1.22 درجة مئوية لكل عقد، أي أعلى بـ 60 ضعفاً.
هذا التسارع الكارثي يترك آثاره المدمرة بالفعل على النظم البيئية العالمية، خاصة في المحيطات التي تمتص وحدها 91% من الحرارة الزائدة. وتحذر الدكتورة إيمي سلانجن من المعهد الملكي الهولندي لأبحاث البحار من أن “ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 228 ملم منذ عام 1900، رغم أنه يبدو رقماً صغيراً، إلا أنه يتسبب في تأثيرات غير متناسبة، من زيادة تآكل السواحل إلى تفاقم قوة العواصف المدارية”. وتؤكد أن “بطء استجابة المحيطات للتغير المناخي يعني أننا قد حكمنا بالفعل على الأجيال المقبلة بمزيد من الارتفاع في مستويات البحار لعدة عقود قادمة”.
– دعوة عاجلة لخفض الانبعاثات: فرصة أخيرة لإنقاذ الكوكب
في مواجهة هذه الحقائق القاسية، يصر العلماء على أن خفض الانبعاثات بشكل عاجل وجذري يبقى الحل الوحيد لتجنب السيناريو الأسوأ. فكل عام من التأخير في اتخاذ إجراءات حاسمة يقربنا أكثر من تجاوز عتبات الاحترار التي قد تؤدي إلى كوارث لا رجعة فيها. كما أن التباطؤ في تنفيذ الحلول قد يعني أننا سنضطر مستقبلاً إلى الاعتماد على تقنيات إزالة الكربون من الغلاف الجوي، التي ما زالت غير مجربة على النطاق المطلوب، لتعويض الانبعاثات الزائدة.



