تصريح الحضري عن بونو: حقد أم اعتراف بالواقع؟

في عالم كرة القدم، تُعد المقارنات بين الأجيال المختلفة في حراسة المرمى أمرًا طبيعيًا ومتجددًا. غير أن تعليقًا أخيرًا من أسطورة حراسة المرمى المصرية عصام الحضري، حمل في طياته ما يبدو أنه لم يكن مجرد رأي فني أو انحياز طبيعي لتجربته، بل أظهر شيئًا أعمق يتعلق بحدود التجربة الشخصية في تحديد مفهوم العظمة.
وقد أعاد الحضري – الذي قضى مسيرته تقريبًا بالكامل في الدوري المصري، مع محطة قصيرة وغير مؤثرة في سويسرا – نشر تعليق لمشجع يقول فيه إن من يعتبر ياسين بونو أفضل حارس إفريقي “لم يشاهد هذا الرجل”، في إشارة إلى الحضري نفسه، مع إضافة وصف محب يفتخر فيه المشجع بأن الحضري كان قدوته وملهمه.
ظاهريًا، يبدو التعليق عاطفيًا ومفهومًا من مشجع. لكن في العمق، يظهر هنا الفارق الكبير بين مسيرة الحضري ومسيرة بونو، والذي قد يفسر حساسية التعليق:
ظل الحضري حبيس الدوري المصري في معظم مسيرته، ولم يختبر صعوبة اللعب في بيئات أوروبية تنافسية، ولا ضغوط جماهير الملاعب الأوروبية، ولا تحديات الاحتراف في دوريات عالمية كبرى.
أما ياسين بونو، فقد لعب في المغرب أولًا، ثم انتقل إلى أوروبا مع أندية كبرى كإشبيلية وأتلتيكو مدريد، وأبهر العالم في كأس العالم 2022 مع منتخب المغرب، ثم انتقل اليوم ليكمل مسيرته الاحترافية في الشرق الأوسط، مؤكدًا على تنوع خبراته وقدرته على التأقلم في مختلف الدوريات.
من زاوية أخرى، لم يصبح بونو فقط رمزًا مغربيًا أو إفريقيًا، بل صار اسمًا عالميًا يقدّره المتابع الأوروبي والعربي والآسيوي. وهنا تحديدًا يكمن الفارق الذي قد يؤثر في بعض التقديرات:
لم يُكتب لـلحضري أن يصبح رمزًا عالميًا بهذا النطاق خارج حدود القارة الإفريقية، بينما بونو تجاوز تلك الحدود بكل اقتدار بفضل تجربته الدولية والأوروبية.
لعل الأهم هو أن هذه الكلمات كشفت أيضًا عن جانب يتعلق بمسيرة الحضري: أنه لم يلعب أبدًا في نادٍ أوروبي مؤثر أو دوري عالمي كبير، رغم موهبته التي لا يمكن إنكارها. بينما بونو جمع بين النجاح المحلي، والتألق القاري، والتقدير الدولي على أكبر المسارح.
في النهاية، لا شك أن الحضري حارس كبير ترك بصمته في تاريخ كرة القدم الإفريقية، وحقق إنجازات لا تُنسى. لكن التاريخ الحديث لـكرة القدم يثبت أن العظمة لا تُقاس فقط بعدد التصديات والبطولات المحلية، بل أيضًا بقدرة الحارس على تمثيل بلاده وأنديته في أكبر المسارح العالمية. وهنا، بونو تقدّم بخطوات واسعة، وهو ما لم يتحقق لـالحضري بنفس القدر، رغم كل ما قدّمه في الملاعب المصرية.



