Hot eventsأخبارأخبار سريعةثقافة و فن

صوت من آخر الألم …

صوت من آخر الألم …

لمّا احْتَجَّتْ أَنَّهُ قاسٍ،
وزادَتْ أَنَّهُ بلا إِحْساسٍ،
وقدْ كانَ ظِلَّها،
لا تُفارِقُ عَيناهُ قِوامَها،
ولا يَنبِضُ قَلْبُهُ إِلّا لَها…

قالَ، بِهُدوءٍ لا يُشْبِهُ سِوى الوَجَعِ:
“لا عَلَيكِ…
مَرْحى بِكُلِّ ما جاءَ مِنكِ.”

كانَتْ تَنْتَشي بِإذْلالِهِ،
تَكْسِرُ عُودَهُ،
تُدْمِعُ جَفْنَيْهِ،
تَسْرِقُ النَّوْمَ مِن مُقْلَتَيْهِ،
تَنْظُرُ إِلَيْهِ مُسْتَصْغِرَةً كَأَنَّها لَمْ تَعْرِفْهُ.
وكانَ يَكْفِيهِ مِنْها القُرْبُ،
وشَذى العِطْرِ…

ثُمَّ كانَ ما كانَ،
وضاعَ مِنْها الجَمالُ،
وزَهْوُ القِوامِ،
وتَبَدَّدَ مِنْ حَوْلِها المُصَفِّقونَ،
ولَمْ يَبْقَ إِلّا هُو،
ولَمْ يَكُنْ مِنَ الَّذينَ قَسَوْا،
ولا مِنَ الَّذينَ اخْتَفَوْا.

ظَلَّ كَما كانَ:
ظِلًّا لا يُفارِقُها.
قالَتْ، والنَّدَمُ يَجُرُّ صَوْتَها:
“كُنْتُ أَقْسو عَلَيْكَ،
ولا أَرْعى لَكَ إِحْساسًا.
فَلِماذا بَقِيتَ؟
لِماذا لَمْ تَخْتَفِ مِثْلَ الآخَرينَ؟”

جَفَّتْ عَيْناهُ،
وقالَ بِهُدوءِ المَكْلومِ:
“أَرَأَيْتِني كَالآخَرينَ؟”

قالَتْ، وهيَ تَسْتَعِدُّ لِلْمُغادَرَةِ،
كَأَنَّها تَقْرَأُ مِن كِتابٍ قَديمٍ:
“أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الكافِرَ كانَ لِرَبِّهِ ظَهِيرًا؟”

اِحْتَرَقَ قَلْبُهُ،
فَقَدْ كانَتْ كَلِماتُها
أَقْسى اعْتِرافٍ بِالجُحودِ وَالكِبْرياءِ،
وأَدَقَّ مِرآةٍ لِمُحاسَبَةِ الذَّاتِ،
في أَشَدِّ لَحَظاتِ الانْكِسارِ.

أَوْضَحَتْ مَوْقِفَها الجاحِدَ،
حينَ انْقَلَبَ عَلَيْها مَن ظَنَّتْهُم أَصْدِقاءَ،
وما كانُوا إِلّا أَعْداءً،
ضاعَفُوا وَعْيَها،
وضاعَفُوا أَلَمَها الَّذي لا يُحْتَمَلُ.

كانَتْ قَدْ سَخَّرَتْ كَلِماتِها،
وأَفْعالَها،
وكُلَّ ما مَلَكَتْ،
ونُفوذَها…
في خِدْمَتِهِم،
عَلى حِسابِهِ.
وكانَ الصّادِقَ الوَحيدَ.

وسَأَلَ نَفْسَهُ:
هَلْ نُدْرِكُ، عَنْ وَعْيٍ أَوْ عَنْ غَفْلَةٍ،
أَنَّنا نُؤازِرُ مَنْ لا يَسْتَحِقُّ،
أَوْ نُعِينُ عَلى أَنْفُسِنا مَنْ يُضْمِرُ لَنا الشَّرَّ؟

وهَلْ نُوَظِّفُ مَواهِبَنا، وَأَوْقاتِنا، وَطاقاتِنا
في سَبيلِ مَنْ يُحِبُّنا،
أَمْ نَتَحَوَّلُ — مِنْ حَيْثُ لا نَدْري —
إِلى أَدَواتٍ ضِدَّهُ؟

عبداللطيف زكي
الرباط، في 5 يوليو 2025

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button