غياب جماعي يعيد الجدل حول التزام البرلمانيين: محطة تشريعية مفصلية تغيب عنها الأغلبية

في سلوك بات يتكرر بشكل مقلق، غاب عدد كبير من أعضاء مجلس النواب مرة أخرى عن جلسة عمومية تشريعية عقدت اليوم الثلاثاء، رغم أهمية النصوص المعروضة للمناقشة والتصويت، والتي توصف بـ”الاستراتيجية” لما لها من انعكاسات مباشرة على ركائز أساسية في المنظومة القانونية والإعلامية للمملكة.
الجلسة التي خُصصت للدراسة والتصويت على عدد من مشاريع القوانين الجاهزة، شهدت في بدايتها غياب أكثر من 300 نائب برلماني، حسب ما أفادت به مصادر متطابقة، في وقت تضمن فيه جدول الأعمال القراءة الثانية لمشروع قانون المسطرة الجنائية المثير للنقاش العمومي، إلى جانب مشروع القانون رقم 52.23 المتعلق بمهنة التراجمة المحلفين، ومشروع القانون رقم 26.25 القاضي بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة.
ورغم التحاق بعض البرلمانيين لاحقًا خلال الجلسة، إلا أن هذا الغياب الأولي عن ما وُصف من طرف متابعين بـ”اللحظة المفصلية”، أعاد إلى الواجهة الانتقادات المتكررة الموجهة إلى المؤسسة التشريعية، خاصة من طرف فعاليات سياسية وحقوقية ترى في هذا السلوك ضربًا لمصداقية العمل البرلماني، وتكريسًا لأزمة الثقة المتنامية بين المواطن وممثليه في البرلمان.
وبينما يرى البعض أن هذا الغياب يُفرغ النقاشات من جديتها، ويؤثر سلبًا على جودة التشريع، تتصاعد الأصوات المطالبة بتفعيل المقتضيات الزجرية المنصوص عليها في النظام الداخلي للمجلس، وعلى رأسها تلاوة أسماء النواب المتغيبين كتدبير رمزي يهدف إلى إحراجهم أمام الرأي العام وتحفيزهم على الانضباط للحضور.
في هذا السياق، يثير عدم لجوء رئاسة المجلس مرة أخرى إلى آلية “تلاوة الأسماء” تساؤلات حول مدى جدية الالتزام بضمان الحد الأدنى من الانضباط البرلماني، رغم أن هذا الإجراء منصوص عليه صراحة في المادة 395 من النظام الداخلي، والتي تُلزم أعضاء المجلس بالحضور وتُحدد الإجراءات التأديبية التي تترتب عن التغيب غير المبرر.
وتنص المادة ذاتها على توجيه تنبيه كتابي للعضو المتغيب في المرة الأولى، ثم في المرة الثانية، يعقبه تلاوة اسمه في افتتاح الجلسة العامة التالية، وفي حالة التكرار للمرة الثالثة يُقتطع مبلغ مالي من تعويضاته الشهرية بحسب عدد أيام الغياب، ويتم نشر هذه الإجراءات في الجريدة الرسمية للبرلمان والنشرة الداخلية وموقع المجلس.
وعلى الرغم من نفي مصدر مسؤول سابقًا “تخلي” المجلس عن إجراء تلاوة الأسماء، مبررًا ذلك بالعمل على تطوير آليات المراقبة باستخدام الكاميرات لتتبع الحضور بدقة، إلا أن غياب تفعيل هذا الإجراء في جلسات حاسمة، وخصوصًا تلك التي تهم مشاريع قوانين ذات حساسية اجتماعية وقانونية، يعزز الشعور بتراخي المؤسسة في ضبط أعضائها.
في المقابل، يرى بعض المتابعين أن الحل لا يكمن فقط في تفعيل العقوبات الرمزية أو المادية، بل في الدفع نحو إصلاح جذري لآليات العمل البرلماني، وربط التعويضات بالحضور والمردودية، مع تعزيز الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وفي وقت يشهد فيه المغرب تحولات سياسية وتشريعية عميقة، تتجدد الدعوات إلى استعادة الهيبة المؤسساتية للبرلمان، وتكريس ثقافة الحضور والتفاعل الجاد مع قضايا المواطنين، خاصة وأن المؤسسة التشريعية تُعد من أهم أعمدة النظام الديمقراطي، ومحطة أساسية لتقنين الحقوق وضمان الحريات.
ويبقى الرهان اليوم معقودًا على إرادة حقيقية في إصلاح العمل البرلماني، وتجاوز منطق الغياب والفراغ التشريعي، بما يوازي انتظارات الشارع المغربي، ويعيد الثقة إلى مؤسسة يفترض أن تكون صوت الشعب وحارسة لتطلعاته.



