Hot eventsأخبارأخبار سريعةعين العقل

حين تسمو الغريزة… وتسقط إرادة الإنسان

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي

في مملكة الطير، حين يضعف جناح، أو يخذله النبض، لا يتشبّث الطائر بظل السرب ولا يُثقل كاهله، بل ينأى بنفسه طواعيةً، لا ذُلًا ولا يأسًا، بل وفاءً وانضباطًا، إيثارًا للرفقة، وإيمانًا بأن المسير لا يتوقف على فرد، مهما كانت أجنحته يوماً تلامس السماء.
يعتزل في هدوء، يبحث له عن غصنٍ بعيد، يرمم فيه ما تهدّم، ويسترد ما ضاع من عزم، دون أن يربك نظام الطيران، أو يعطّل اتجاه الرحلة.
ذلك هو قانون الغريزة… قانون لا يدوَّن في دساتير، ولا يدرَّس في جامعات، لكنه يُمارَس بفطرة نقية ونبل فطري.

أما في مملكة البشر، فالصورة غالبًا ما تنقلب.
الضعيف لا ينسحب، بل يتمسّك، ويتشبّث، ويُلبس وهنه قناع القوة.
الواهن لا يتوارى، بل يصعد على أكتاف غيره، يجلس على كرسيّ القرار متكئًا على أرواح من حوله، يكمّم أفواه الحكماء، ويصُمّ أذنيه عن النُّصح، كأن البقاء في الصورة، أهم من صلاح المشهد.
والمؤلم أكثر، أن كثيرًا من هؤلاء لا يعترفون بضعفهم، بل يصطنعون الجدارة، ويُشهرون شعارات العطاء، بينما يطفئون نور الطريق أمام من يستطيع أن يقود.

الطائر لا يخون سربه، بل يضحي بنفسه من أجل انسيابية الطيران،
أما بعض البشر، فيخونون مبدأ الجماعة من أجل استمرار امتيازاتهم،
الطائر يعرف متى يتراجع، متى يُخلي المكان لمن هو أصلح،
أما في عالم البشر، فكم من متكلّس يرفض التراجع، وكم من فاشل يُزيّن فشله بكلمات جوفاء، ويختبئ خلف التاريخ أو العاطفة أو السلطة.

أي مفارقة هذه؟
غريزة الحيوان تسمو، وعقل الإنسان يخذله غروره!
ما الذي قلب الموازين؟
هل أصبحت الكراسي أثقل من الأجنحة؟
أم أن الإنسان، حين نسي فطرته، سقط من علياء العقل إلى قاع الأنانية؟

في عالم الطير، الرحلة أولًا،
أما في عالم البشر، فـ”الأنا” أولاً… ثم فلتسقط الرحلة.

أليس حريًّا بالإنسان، هذا الكائن الذي خُصَّ بالعقل والضمير، أن يتعلّم من الطير؟
أليس من الحكمة أن يتوارى حين يعجز، ويُفسح الطريق لمن يملك الرؤية والبصيرة؟
أليست القيادة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا؟
إن منتهى القوة أن تعترف بضعفك، ومنتهى النبل أن تتنحّى حين ترى أن غيرك أصلح.

فلنتعلّم من صمت الطير حين يختار الانسحاب،
ومن حكمته حين لا يجعل من وجوده عبئًا،
فلربما حينها، ننجو نحن البشر من سطوة الأنانية،
ونبني سربًا جديدًا، لا يطير بأجنحة الوهم، بل بقوة الوفاء، ونبل الإيثار.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button