Hot eventsأخبارأخبار سريعةحرب أوكرانيا

حرب أوكرانيا: هل فقدت روسيا استقلالها لصالح الصين؟

تداعيات الحرب في أوكرانيا تتجاوز الخسائر المادية والبشرية لروسيا، والتي تُقدر بحوالي 300 مليار دولار ومليون جندي ما بين قتيل وجريح. فالثمن الحقيقي والأخطر، كما يكشف التحليل، هو تحول روسيا تدريجياً إلى تابع اقتصادي للصين، في تناقض صارخ مع هدفها المعلن بمنع أوكرانيا من أن تصبح تابعًا للغرب.

شراكة “بلا حدود” أم دعم مشروط؟

في فبراير 2022، وقبل أيام من غزو أوكرانيا، أعلنت الصين وروسيا عن “شراكة بلا حدود” قائمة على الندية والتكافؤ. كان من المتوقع أن تقدم الصين دعمًا غير مشروط لروسيا في حربها، لكن الواقع بعد ثلاث سنوات أظهر أن الدعم الصيني كان “مشروطًا ومحسوبًا بالملي والحدود”. الصين تدعم روسيا بالقدر الذي يبقيها صامدة في الحرب، دون أن يمنحها تفوقًا حاسمًا.

الصين تغرق روسيا شهريًا بمكونات مزدوجة الاستخدام، مثل الشرائح الإلكترونية وقطع غيار الدرونز والكاميرات الحرارية، بقيمة تزيد عن 300 مليون دولار شهريًا. هذه المكونات تُبقي الماكينة الحربية الروسية في العمل، لكن الصين تمتنع عن إرسال الأسلحة الفتاكة المتطورة التي تملكها، خوفًا من العقوبات الدولية وتجنبًا للمشاكل الاقتصادية.

انقلاب الأدوار: التلميذ يُصبح الأستاذ

المفارقة تكمن في انقلاب الأدوار التاريخي. فروسيا، التي كانت في الماضي أستاذ الصين في التكنولوجيا والأسلحة، أصبحت الآن بقدرتها التصنيعية المستنزفة، بحاجة ماسة إلى تكنولوجيا “تلميذها” السابق لتتمكن من مواصلة الحرب. 95% من الهواتف الذكية و70% من السيارات في روسيا اليوم هي منتجات صينية، مما أدى إلى اعتماد اقتصادي غير مسبوق. أحد التقارير وصف روسيا بأنها أصبحت ثاني أكثر الدول اعتمادًا على الصين، بعد كوريا الشمالية.

في عام 2023، تضاعف عدد الشركات الجديدة في روسيا ذات الشريك الصيني أربع مرات مقارنة بعام 2021، وسيطرت الصين على العملة أيضًا، حيث تتم أكثر من 90% من التجارة بين البلدين باليوان الصيني، مما يضع روسيا تحت رحمة البنك المركزي الصيني.

تآكل النفوذ الروسي الخارجي: آسيا الوسطى نموذجًا

لم يقتصر النفوذ الصيني على الاقتصاد الروسي الداخلي، بل امتد لتفكيك النفوذ الروسي خارجيًا، بدءًا بدول آسيا الوسطى، التي تُعتبر تقليديًا ملعب نفوذ روسيا. الصين دخلت بقوة عبر الاستثمارات ومبادرة “الحزام والطريق”، وتسعى للحصول على حصة من هذه المنطقة، التي كانت حكرًا على روسيا.

وقعت الصين صفقات بقيمة 124 مليار دولار ضمن مبادرة الحزام والطريق في النصف الأول من 2025، منها 25 مليار دولار لآسيا الوسطى وحدها، وخاصة كازاخستان في مشاريع النفط والغاز. كما تعمل الصين على تأمين مصادر طاقة بديلة وخطوط إمداد تتجاوز روسيا، مثل الغاز القادم من تركمانستان وأوزبكستان الذي سيصل الصين مباشرة. الأدهى هو مشروع سكة حديد الصين-قرغيزستان-أوزبكستان، الذي يُعتبر “طعنة جيوسياسية” لروسيا، كونه يربط الصين بأوروبا دون المرور بروسيا لأول مرة منذ 150 عامًا. هذا التوسع الصيني وصل إلى المجالات الأمنية والعسكرية، من خلال بناء الصين لقاعدة عسكرية في طاجيكستان.

الجروح التاريخية والهدف الأكبر

رغم أن روسيا مدركة تمامًا لهذه التبعية وهذا التآكل في النفوذ، إلا أنها تتقبل الوضع، معتبرة إياه ثمنًا ضروريًا لتحقيق “الجائزة الكبرى”: إسقاط النظام العالمي الحالي الذي تقوده أمريكا. روسيا والصين تريان أن هذا النظام، القائم على الدولار والسلاح الأمريكي، يمثل تهديدًا لوجودهما واستقرارهما.

روسيا مستعدة للتضحية بجزء من نفوذها، وقبول التبعية الاقتصادية المؤقتة، وتجاهل المخاوف التاريخية (التي تعود إلى القرن التاسع عشر حيث انتزعت روسيا القيصرية أراضي شاسعة من الصين، وحتى النزاعات الدموية في الستينيات)، وذلك لهدف واحد: كسر هيمنة الدولار، وإضعاف حلف الناتو، وإنهاء عصر القطب الواحد الأمريكي. هذا الطموح المشترك هو الذي يفسر تحالفات كبرى مثل “البريكس”، حيث تتغاضى الدول عن خلافاتها الكبيرة لتحقيق هدف مشترك يتمثل في القضاء على هيمنة القطب الأوحد.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button