Hot eventsأخبارأخبار سريعةجهات المملكةمجتمع

زيت الأركان: ازدهار اقتصادي مهدد بتدهور بيئي واستغلال تجاري بالمغرب

أدى الطلب العالمي المتزايد على زيت الأركان، الذي يُطلق عليه غالباً “الذهب السائل” لفوائده التجميلية والغذائية، إلى جلب فرص اقتصادية وتحديات بيئية للمغرب في آن واحد. فبينما يوفر هذا الزيت دخلاً حيوياً للنساء في المناطق القروية، فإن ازدهار هذه الصناعة يدفع بغابات الأركان في البلاد إلى حافة الهاوية.

تراجع كبير في مساحة أشجار الأركان بسبب عوامل متعددة

شهدت أشجار الأركان، التي كانت تغطي في السابق مساحة شاسعة تزيد عن 14 ألف كيلومتر مربع بالمغرب، تراجعاً بنسبة تقارب 40% خلال العقود الأخيرة. هذه الأشجار، التي تتميز بقدرتها على تحمل الجفاف الشديد ودرجات الحرارة المرتفعة، لطالما دعمت المجتمعات المحلية بمنع التصحر وتوفير الغذاء والزيت والعلف للمواشي.

ومع ذلك، فإن الاستغلال المفرط، والتوسع الزراعي، والتغير المناخي كلها عوامل تتسبب في تدهور هذه الغابات. تشرح زبيدة شروف، الكيميائية بجامعة محمد الخامس بالرباط والمتخصصة في دراسة شجرة الأركان، أن “غابة الأركان تواجه تحديات عديدة. أولها تغير المناخ، حيث شهدت المنطقة ست سنوات متتالية من الجفاف، مما قلل الإنتاج بشكل كبير. وثانياً، الرعي الجائر، فعدد كبير من الماعز والجمال في غابة الأركان تتغذى على الأوراق والثمار. وأخيراً، مشكلة التجديد السيئ، فغياب التجديد الطبيعي مستمر منذ عام 1991”. ورغم الجهود المبذولة لإعادة تأهيل الغابة (زراعة 200 ألف هكتار في السنوات الأخيرة)، إلا أن النتائج “محدودة جداً”.

استغلال نساء الأركان وسط أرباح الشركات الكبرى

تعتبر زراعات الحمضيات والطماطم، الموجهة غالباً للتصدير، قد حلت محل أجزاء واسعة من غابات الأركان. وبالنسبة للنساء القرويات، يظل إنتاج زيت الأركان أحد المصادر القليلة للدخل المستدام. تعمل العديد منهن في التعاونيات، حيث يقمن بكسر اللوز يدوياً وعصره لاستخراج الزيت.

تؤكد جميلة إد بوروس، مديرة اتحاد التعاونيات النسائية لأركان UCFA تيساليوين بأكادير، أن “النساء هن من يمثلن قطاع الأركان، وباسمهن تم الاعتراف بالمنطقة الحيوية للأركان عام 1998”. ورغم إدراج الخبرات التقليدية في قائمة اليونسكو عام 2014، “نلاحظ تراجعاً على المستوى الاقتصادي” بالنسبة للنساء في التعاونيات.

رغم كثافة العمل اللازم للحصول على الزيت، حيث يستغرق إنتاج كيلوغرام واحد يومين، فإن العاملات لا يتقاضين سوى 3 دولارات أمريكية للكيلوغرام الواحد. وبينما تبيع العلامات التجارية العالمية مثل لوريال ويونيليفر وإستي لودر منتجات تجميلية قائمة على الأركان بأسعار باهظة، لا تحصل النساء اللواتي ينتجن هذا الزيت إلا على جزء ضئيل من هذه الأرباح.

تحديات السوق والتهديدات الثقافية

يهيمن الوسطاء على سلسلة توريد الأركان، حيث يشترون الزيت بأسعار زهيدة من التعاونيات ويعيدون بيعه بأسعار مرتفعة جداً. وتسيطر شركة واحدة، Olvea، على حوالي 70% من الصادرات، مما يحد من قدرة المنتجين الصغار على المساومة. وتؤكد العاملات، مثل فاطمة منير من تعاونية أجديك، أن الأركان يمثل مصدر الدخل الوحيد لأسرهم.

تزعم التعاونيات أن الضغط يأتي بشكل كبير من ارتفاع الأسعار؛ حيث تباع قارورة اللتر الواحد بسعر 600 درهم مغربي (60 دولاراً أمريكياً)، مقارنة بـ 25 درهماً (2.50 دولار أمريكي) قبل ثلاثين عاماً. وتعتبر شركات تصنيع مستحضرات التجميل الأركان أغلى زيت نباتي في السوق. وقد أدت جائحة كورونا إلى اضطراب الطلب العالمي والأسعار، مما أدى إلى إغلاق العديد من التعاونيات.

يقول قادة التعاونيات إن المنافسين الجدد أغرقوا السوق، بينما قلل الجفاف من كمية الزيت التي يمكن استخلاصها من كل ثمرة. ورغم أن التعاونيات تأسست لتوفير أجر أساسي للنساء وتقاسم الأرباح شهرياً، إلا أن رئيسة اتحاد التعاونيات النسائية للأركان، جميلة إد بوروس، تؤكد أن القليل منهن يكسبن أكثر من الحد الأدنى للأجور الشهرية في المغرب.

أطلقت الحكومة المغربية مبادرات لإعادة التشجير، بزراعة أشجار أركان جديدة بجانب محاصيل مثل الكبار، لتحسين خصوبة التربة واحتفاظها بالمياه. ومع ذلك، فإن التقدم بطيء، ولم تعط الأشجار المزروعة حديثاً بعد محاصيل كبيرة. وتوضح حفيظة الحنطاطي، رئيسة تعاونية أجديك لزيت الأركان، أن المنتجين يتعرضون لضغط إضافي بسبب عدم احترام فترة جمع ثمار الأركان في شهر أغسطس، مما يؤثر على جودة الزيت والأشجار نفسها.

مستقبل مهدد لـ “الذهب السائل” وتراث ثقافي عريق

رغم إنشاء مرافق تخزين لمساعدة التعاونيات على الاحتفاظ بزيتها والحصول على أسعار أفضل، إلا أن العديد منها لا يزال غير مستغل بالكامل. ومن المتوقع أن يجعل نظام منقح، سيتم تطبيقه عام 2026، هذه الموارد أكثر سهولة.

مع انتقال الأجيال الشابة إلى المدن بحثاً عن فرص أفضل، فإن المعرفة التقليدية بجمع الأركان مهددة بالزوال. فالغابات، التي كانت يوماً كثيفة ومزدهرة، تكافح الآن ضد الضغوط المزدوجة لتغير المناخ والطلب التجاري. بدون حلول مستدامة، قد يفقد المغرب ليس فقط حاجزاً بيئياً حيوياً ضد التصحر، بل أيضاً تراثاً ثقافياً عريقاً مرتبطاً بشجرة الأركان.

هذا التراث تحديداً هو ما تسعى نساء مثل ياسمين تيبوكا، عضوة تعاونية مرجانة لزيت الأركان، إلى الحفاظ عليه. تقول: “كشابة تعمل في قطاع زيت الأركان، أحد الأسباب التي تجعلني أحب هذا المجال هو كونه تراثاً ثقافياً. أريد أن أساهم في الحفاظ عليه من الانقراض وتشجيع شباب آخرين على تنمية نفس الاهتمام”. في الوقت الحالي، تواصل النساء اللواتي يعتمدن على الزيت عملهن، على أمل أن تستمر الغابات ومصادر رزقهن.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button