
بقلم: زهير أصدور
جاء التعديل الأخير للنظام الداخلي لمجلس النواب في أعقاب حادث سياسي رمزي تمثل في رفع النائبة ريم شباط لافتة احتجاجية داخل قاعة الجلسات العامة، ما أثار جدلًا واسعًا حول حدود حرية التعبير داخل المؤسسة التشريعية. وقد أعلن رئيس مجلس النواب آنذاك عن إحالة النائبة على لجنة الأخلاقيات، رغم غياب نص صريح يُجرّم أو يمنع ذلك السلوك.
هذا الفراغ القانوني دفع بالأغلبية النيابية إلى الإسراع في تعديل النظام الداخلي، وإدراج منع صريح للاحتجاج بـ”اللافتات” و”الاعتصامات”، مصحوبًا بعقوبات تأديبية.
من هنا، يمكن التساؤل:هل نحن أمام استجابة مؤسساتية لضمان حسن سير الجلسات البرلمانية، أم أمام ردة فعل سياسية متسرعة لتقنين الردع وضبط التعبير داخل المؤسسة البرلمانية لصالح موازين قوى ظرفية؟ينص الفصل 25 من دستور المملكة المغربية على أن “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها”.
في المقابل، يُخوّل النظام الداخلي للمجلس سلطة تنظيم أشغال الجلسات واللجان لضمان السير العادي لأشغاله.
التعديل الجديد – الذي يمنع صراحة رفع اللافتات أو الاعتصامات – جاء ليحسم في مسألة لطالما بقيت في المنطقة الرمادية.
لكن التساؤل الأعمق يظل:هل يملك المجلس حق تأويل حرية التعبير في اتجاه تقليصها إلى “التعبير اللغوي الشفوي أو الكتابي فقط”؟وهل يمكن تبرير هذا التقييد بتبريرات تقنية (مثل تفادي الفوضى أو الإرباك) دون المساس بجوهر حرية التعبير الرمزي، التي هي جزء من الممارسة البرلمانية في عدة ديمقراطيات عبر العالم؟لقد صادقت المحكمة الدستورية في قرارها عدد 256/25 م.د (الصادر بتاريخ 4 غشت 2025 في الملف عدد 304/25)، على التعديلات المدخلة، معتبرة أن:“توضيح إبداء الرأي بالتعبير الشفوي أو الكتابي لا ينطوي على مصادرة للحق في التعبير، وإنما هو تنظيم له…”“منع رفع اللافتات والاعتصامات لا يتعارض مع نجاعة العمل البرلماني، ويهدف إلى احترام الضوابط والانضباط داخل المؤسسة التشريعية…”“اتخاذ إجراءات تأديبية ضد المخالفين، وفق المادة 396، يروم ضبط السلوك داخل البرلمان…”ورغم أن قرارات المحكمة الدستورية لا تُقبل أي تعقيب وتلزم كافة السلطات، فإن قراءة هذه المقتضيات في سياقها السياسي تدفع إلى طرح تساؤلات حول توازن العلاقة بين التنظيم والتقييد.
فهل ما وقع هو مجرد تنظيم تقني لسير الجلسات، أم تقنين لردع التعبير السياسي غير التقليدي داخل مؤسسة يُفترض فيها تمثيل مختلف أشكال المعارضة، بما في ذلك احتجاجاتها الرمزية؟إن اللجوء إلى العقوبات التأديبية ضد مظاهر تعبير رمزي – كرفع لافتة – يُعبّر عن ميل نحو عسكرة الفضاء البرلماني، وتحويله إلى فضاء صامت ومنضبط إداريًا أكثر مما هو حيّ سياسيًا.
وهذا ما قد يؤدي إلى إفراغ العمل البرلماني من ديناميته التفاعلية، وتقليص أدوات الضغط السياسي المشروعة للمعارضة، خصوصًا في ظل ضعف حضورها الإعلامي والتمثيلي.
من المثير أن يأتي هذا التعديل مباشرة بعد حادث فردي لنائبة معارضة، غير ممثلة في مكتب المجلس. وهو ما يفتح الباب أمام تأويل التعديل كاستجابة ظرفية وليست مؤسساتية، ما يستدعي يقظة فكرية وحقوقية لئلا يتحول التنظيم البرلماني إلى إقصاء ممنهج للتعبير السياسي الرمزي تحت غطاء “حسن السير والانضباط”.
إن التعديلات على النظام الداخلي، وإن كانت مشروعة من حيث الشكل، فإنها تضعنا أمام سؤال جوهري:كيف نوازن بين احترام النظام داخل البرلمان، وحماية الحق في التعبير الرمزي للنواب كجزء من الممارسة الديمقراطية؟ففي غياب هذا التوازن، قد نكون بصدد تجفيف منابع السياسة داخل البرلمان، وتحويله إلى منصة تقنوقراطية منزّهة عن التوتر، لكنها منزوعة الحيوية.*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية.



