أخبارالبرلمانالرئيسيةفي الصميم

البرلمان الأزرق

بقلم: زهير أصدور

في المغرب، كما في أغلب الديمقراطيات الناشئة، تدور الحياة السياسية في مثلث مركّب: فاعل سياسي، مؤسسة تمثيلية، وجمهور متفاعل. لكن هذا الأخير، جمهور المواطنين، لم يعد يكتفي بلعب دور المتلقي الصامت أو الناخب الموسمي؛ بل بات اليوم أحد أهم مكونات المشهد السياسي، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وأبرزها “فيسبوك”.

من خلال استقراء سريع لتفاعلات “الجمهور الفيسبوكي” مع مشهد سياسي معين، أو خطاب برلماني محدد، كما حدث مؤخراً مع خرجة أحد السياسيين المعروفين، يظهر حجم الغضب والتذمر الشعبي، والكمّ الهائل من التعليقات الساخرة أو الناقمة أو التهكمية، والتي تتراوح بين التشكيك، التبخيس، الشتائم أحياناً، وعبارات مثل: “كلهم بحال بحال، أولاد عبد الواحد واحد، المسرحيات، النفاق، المصالح، التوريث السياسي…”لكن السؤال الحقيقي الذي يفرض نفسه هنا:هل يمكن التعويل على جمهور بهذه النبرة لإصلاح السياسة؟وهل السياسي فقط هو من يحتاج إلى تقويم وإصلاح؟ أم أن الجمهور السياسي بدوره بات بحاجة إلى “إعادة تربية ديمقراطية”؟الملاحظ أن جزءاً كبيراً من التفاعل الشعبي لا يناقش المضامين ولا يقارب المقترحات، بل يركّز على “تشخيص النوايا”، و”شيطنة الفاعلين”، و”النبش في الماضي الشخصي أو السياسي”، بل أحياناً لا يتردد في إطلاق أحكام قيمة قاسية، تُختزل في شخصنة التجربة السياسية وتمزيقها، عوض تحليل الخطاب أو المساءلة الرصينة لجدوى البرامج.

المفارقة تكمن في أن هذا الجمهور نفسه يشتكي من “غياب النزاهة” و”غياب الفعالية”، لكنه لا يكلّف نفسه عناء بلورة بدائل أو الدفاع عن مقترحات عملية، أو حتى ممارسة النقد بوعي معرفي. فالفعل السياسي لا يُصلح فقط عبر إدانة الطبقة السياسية، بل بإعادة بناء العلاقة بين الفاعل والمواطن على قاعدة النقد المسؤول، لا الشتيمة.

القول بأن “فيسبوك ليس ميدانًا للحياة السياسية الجادة” فيه بعض الصحة، ولكن تجاهله تمامًا سيكون تجاهلاً لعينة مجتمعية متزايدة التأثير، تُعبر عن نبض مجتمعي لا يمكن إنكاره.

فحتى إن كان هذا الفضاء الافتراضي يعجّ بالتناقضات، والمغالطات، فإنه لا يخلو من مؤشرات دالة على تحولات في الحس السياسي الجمعي، حتى وإن ظلّ هذا الوعي محكوماً بالانفعال والذاكرة الجريحة.

إن أزمة السياسة في المغرب اليوم ليست فقط أزمة ثقة في الأحزاب، بل أيضاً أزمة مواطَنة سياسية. فإذا كان السياسي مطالباً بالصدق والشفافية وربط القول بالفعل، فإن المواطن بدوره مطالب بالمساءلة الواعية، بالاقتراح لا فقط الرفض، وبالمشاركة بدل العزوف أو التهكم.

إن إصلاح السياسة لا يتم فقط عبر تغيير الوجوه، أو سنّ القوانين، بل يحتاج إلى إعادة تأهيل شامل للثقافة السياسية، بحيث نفهم أن السياسة ليست فن التمثيل كما يراها البعض، بل فن التأثير والربط بين القيم والمصالح العامة.

ربما حان الوقت لفتح نقاش وطني هادئ حول دور وسائل التواصل الاجتماعي في صياغة الوعي السياسي. هل نحتاج اليوم إلى “ميثاق تربية سياسية رقمية”؟ إلى تحصين النقاش العمومي من ثقافة التبخيس والعدمية؟ إلى تحفيز منصات مقترحات المواطنين بدل الاكتفاء بفضاءات التنمر الجماعي؟لسنا في حاجة إلى “جمهور مثالي” ولا إلى “سياسي مثالي”، بل إلى علاقة سياسية ناضجة، تحترم العقل الجماعي، وتُعلي من شأن الفعل المسؤول.فكما أن السياسي مسؤول عن قراراته، فالمواطن مسؤول عن اختياراته… وعن تعليقه أيضاً.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button