لا البرلمان يُعرض… ولا اليوتوب يصنع ممثلين للأمة

في زمن الضجيج الرقمي، صار بعض المتربعين على عرش الوهم يخلطون بين الصدى الافتراضي والشرعية السياسية، ويتحدثون عن المؤسسة التشريعية كما لو كانت امتيازًا شخصيًا، أو عرضًا موسميًا قابلًا للقبول والرفض حسب المزاج.
حتى خرجت إحداهن تقول، بعجرفة لا تخلو من سخرية، إنها “رفضت البرلمان مرتين”.

فأي برلمان هذا الذي يُعرض؟
وأي تمثيلية تلك التي تُختزل في وهم التفوق على مؤسسات الدولة؟
البرلمان ليس منتجًا تلفزيونيًا، ولا جائزة من منصات التواصل، بل مؤسسة دستورية ذات سيادة، تمثل إرادة الأمة، وتراقب العمل الحكومي، وتسن القوانين، وتمارس الدبلوماسية البرلمانية باسم الوطن.
من يتحدث عن البرلمان بهذا الاستعلاء، وهذه العجرفة لم يدخله ولن يدرك معناه،
لأن من يخدم الشعب لا يسخر من ثقته،
ومن يعرف قدر المؤسسات لا يتعالى عليها بمنطق “العرض والطلب”.
المؤسسة التشريعية لا تُطلب بالتمنّي، ولا تُرفض بالكبرياء،
بل تُنتزع بثقة الناخبين وبمصداقية النضال،
وما لا تُعطيه الكفاءة، لا يصنعه ضجيج الشاشات.
وقد يقول قائل إن البرلمان يعج ببعض من انحرفوا عن مهامهم، أو ممن وصلوا إليه بشراء الذمم أو عبر ولاءات زبونية ضيقة. وهذا واقع لا يمكن إنكاره.
لكن حتى في ظل هذا الاعوجاج، تظل المؤسسة محتفظة بهيبتها، لا لأنها مثالية، بل لأنها تجسيد لمبدأ ديمقراطي لا بديل عنه.
فالتقصير يُحاسب، لا يُعمم، والانحراف يُفضح، لا يُتخذ ذريعة لهدم ما تبقى من ثقة.
ومن أراد الإصلاح، فليكن جزءًا من البناء، لا من التهجم المجاني والتبخيس العدمي.
نعم، البرلمان بحاجة إلى تطهير، لا إلى استهزاء.
إلى الكفاءات الصادقة، لا إلى استعراضات جوفاء.
ولا يُصلح البرلمان من يتعالى عليه، بل من يرقى إلى مستواه بمسؤولية ونزاهة.
فليكن واضحًا:
لا البرلمان يُعرض… ولا اليوتوب يصنع ممثلين للأمة.
ومن أراد التمثيل، فليصعد من بوابة العمل الجاد، لا من نوافذ الاستفزاز الفارغ وفي احترام تام لمشاعر المواطن ولحرمة الوطن.