بين التحديات والفرص.. المغرب يصنع مستقبله

على وقع تداخل المحلي بالإقليمي، والمشهد الإفريقي بالتجاذبات الدولية، تتوالى اليوم أخبار تعكس تحولات متعددة في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، الأمنية والثقافية. بداية من المغرب، حيث تؤكد مؤسسة وسيط المملكة التزامها القوي بقضايا الجالية المغربية المقيمة بالخارج، معززة بذلك الحماية المؤسساتية وترسيخ الثقة في الإدارة، في إطار مرافقة مطالب مغاربة العالم وتيسير سبل تظلمهم، وهو توجه يلقى ترحيباً واسعاً ويجسد مواطنة فاعلة تتجاوز الحدود.
في الوقت ذاته، يترقب المواطنون موجة حر شديدة الحرارة تتراوح درجاتها بين 39 و48 درجة مئوية، مصحوبة برياح قوية وزخات رعدية وبرَد في عدة مناطق، ما يستوجب اليقظة واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة هذه الظروف المناخية القاسية. ومع هذا التحدي المناخي، تتجه الأنظار نحو الاقتصاد الوطني، حيث يبرز مشروع قانون المالية لسنة 2026 بتوجيهات ملكية سامية، يرسم خارطة طريق تستهدف أربع أولويات استراتيجية تشمل تعزيز النمو الاقتصادي، وتحقيق توازن تنموي واجتماعي، وترسيخ أسس الدولة الاجتماعية، وتسريع الإصلاحات الهيكلية مع الحفاظ على استقرار المالية العمومية.
وفي إطار هذه الرؤية الاقتصادية، يلوح في أفق العاصمة الاقتصادية البرج الزجاجي “CFC First” كرمز للنموذج المالي العصري، معبراً عن طموح المغرب في الانفتاح على التنافسية الدولية وتعزيز التكامل الإفريقي. أما على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة، فتقترب منطقة الأنشطة الاقتصادية والحرفية بمدينة وزان من الاكتمال بنسبة 95%، ما يؤكد استمرار الدينامية التنموية الجهوية.
على صعيد السياحة، لا تزال المملكة تواصل نجاحاتها بإستقبال 11.6 مليون سائح بنهاية يوليوز 2025، بزيادة ملموسة تدعمها بالأساس أعداد المغاربة المقيمين بالخارج الذين يشكلون أكثر من نصف الوافدين، فيما يشهد قطاع التجارة الإلكترونية رقماً قياسياً بـ22 مليار درهم سنة 2023، بنمو مستدام يفوق 30% سنوياً، ما يعكس التحول الرقمي المتقدم ودوره الحيوي في تطوير الاقتصاد الوطني.
وفي الجانب العسكري، تجلت العلاقات المتينة بين المغرب وكوت ديفوار من خلال مشاركة القوات المسلحة الملكية المغربية في احتفالات الذكرى الخامسة والستين لاستقلال كوت ديفوار، عبر استعراض عسكري مشترك يعكس الشراكة الأمنية والاستراتيجية بين البلدين.
حضر المشهد الحضري افتتاح مرآب تحت أرضي جديد بحي المحيط بالرباط، مجهز بأحدث التجهيزات التقنية ومتوافق مع معايير الاستدامة البيئية، وهو مشروع يهدف إلى تحسين التنقل الحضري والحد من الاختناقات المرورية، مع دعم استراتيجية المدينة في مجال التنقل المستدام. وفي خنيفرة، احتضنت المدينة النسخة الثانية من المعرض الوطني للطوابع البريدية والمسكوكات، ضمن جهود وطنية للحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز الوعي الجماعي بأهمية الذاكرة الوطنية.
في إطار العناية بالجالية، يستعد المغرب للاحتفال باليوم الوطني للمغاربة المقيمين بالخارج تحت شعار “ورش الرقمنة: تعزيز لخدمات القرب الموجهة لمغاربة العالم”، في مناسبة تعكس اهتمام القيادة الملكية وتؤكد تعزيز الروابط مع مغاربة العالم عبر فعاليات متنوعة.
على الصعيد الإقليمي، عبّرت كينيا عن رغبتها في الاستفادة من التجربة المغربية الرائدة في مكافحة الجرائم الإلكترونية، في خطوة تعزز التعاون الثنائي في مجالات العدالة والأمن السيبراني. وفي السياق البيئي والسياحي، يبرز شاطئ “أم لبوير” بالداخلة كوجهة طبيعية ساحرة، حائز على شارة اللواء الأزرق للسنة الثالثة عشرة على التوالي، ما يؤكد التزام المغرب بحماية البيئة وترسيخ السياحة المستدامة.
أما في الجانب الإخباري الحزين، فقد ودع المغرب، أمس الجمعة، شيخ الزاوية القادرية البودشيشية الشيخ جمال القادري بودشيش، عن عمر ناهز 89 سنة، الذي لعب دوراً محورياً في نشر التصوف المعتدل والدعوة إلى السلام والتسامح داخل المملكة وخارجها.
وفي الجديدة، انطلقت فعاليات موسم مولاي عبد الله أمغار، في أجواء احتفالية تحت الرعاية الملكية السامية، بحضور مسؤولين رسميين، حيث تشمل الفعاليات عروض التبوريدة، الصيد بالصقور، سهرات فنية وأنشطة دينية وثقافية، وسط توقعات باستقطاب ملايين الزوار.
مذكرة مشروع قانون المالية لسنة 2026 تتوقع معدل نمو يبلغ 4.5%، مع خفض عجز الميزانية إلى 3% من الناتج الداخلي الخام، وتسريع الإصلاحات والرقمنة، في خطوة لتقريب الخدمات من المواطنين وتحقيق تنمية متوازنة.
في الشأن الأمني، أصدر وزير الداخلية قراراً يفوض صلاحية الترخيص بنقل عتاد وتجهيزات الدفاع للأسلحة والذخيرة إلى ولاة الجهات، مع شروط قانونية وتنظيمية دقيقة، بهدف تسريع الإجراءات مع الحفاظ على التنسيق الأمني.
دولياً، تستعد مدينة يوكوهاما اليابانية لاستضافة قمة تيكاد 9 للتنمية الإفريقية في منتصف أغسطس، وسط توترات سياسية بسبب محاولة بعض الدول فرض مشاركة جبهة البوليساريو، فيما تحافظ اليابان على تمسكها بالشرعية الدولية والبعد التنموي للقمة.
وعسكرياً، تتداول أنباء عن احتمال نقل مقر القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا – أفريكوم – من ألمانيا إلى القارة الإفريقية، مع ترشيح المغرب وبالأخص مدينة القنيطرة، ما يعزز موقع المملكة الاستراتيجي.
وفي جنوب إفريقيا، دافع الرئيس السابق جاكوب زوما عن رفع علم بلاده خلال زيارته للمغرب، معبراً عن دعمه لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، واعتبارها إطاراً يضمن السيادة والاستقرار في المنطقة.
أما العلاقات الفرنسية الجزائرية، فتشهد توتراً جديداً مع قرار فرنسا تعليق الإعفاءات الممنوحة لحاملي الجوازات الرسمية والدبلوماسية الجزائرية، في ظل أزمات متراكمة بين البلدين.
أما في الرباط، أصدرت المديرية العامة للأمن الوطني عدداً جديداً من مجلة الشرطة، سلطت فيه الضوء على الدورة السادسة لأيام الأبواب المفتوحة بمدينة الجديدة التي استقطبت أكثر من 2.4 مليون زائر، كما شهدت عرض النموذج الأول من الدورية الذكية “أمان” المطورة محلياً بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مع خطط لتعميمها استعداداً للاستحقاقات الدولية المقبلة.
ختاماً، في ظل هذه التحولات المتسارعة والتحديات المتعددة، يثبت المغرب يوماً بعد يوم قدرته على الموازنة بين استقراره الداخلي وطموحه الإقليمي والدولي، من خلال قيادة حكيمة ورؤية استراتيجية واضحة، تجسدت في جهود التنمية المستدامة، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتقوية الروابط مع جالية الوطن في المهجر، مع الانفتاح على فرص التعاون والتضامن الإفريقي والدولي. بهذا العزم والإرادة، يواصل المغرب رسم مسار المستقبل المشرق، مؤكداً مكانته كفاعل مؤثر في بناء قارة إفريقية مزدهرة وعالم أكثر توازناً واستقراراً.



