تعاونيات واحات زاكورة..إكراهات طبيعية وتحديات تدبيرية

زاكورة- ليلى حبش حاريت
تعتبر واحات زاكورة، الواقعة في الجنوب الشرقي للمغرب، بيئة طبيعية واقتصادية فريدة تعتمد بشكل أساسي على الزراعة الواحاتية التقليدية. وفي قلب هذا النظام البيئي والاقتصادي، تلعب التعاونياتالفلاحية دورًا حيويًا ومحوريًا، حيث لا تقتصر وظيفتها على الإنتاج الزراعي فحسواحتب، بل تمتد لتشمل التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة.
و تشكل التعاونيات الفلاحية في زاكورة الإطار الأمثل لتنظيم وتوحيد جهود الفلاحين الصغار. فبدلاً من العمل بشكل فردي، يقوم أعضاء التعاونيات بالعمل بشكل جماعي في مراحل الإنتاج المختلفة. أبرز المنتجات التي تركز عليها هذه التعاونيات هي التمور بأنواعها المختلفة، والتي تعد المصدر الأساسي لدخل أغلب الأسر بالواحات، بالإضافة إلى الزيتون، والحناء، والأعشاب الطبية والعطرية.
و تعمل التعاونيات على تجميع المحصول من الفلاحين، مما يسهل عمليات الفرز والتصنيف والتخزين.
و بفضل هيكلها التنظيمي، تتمكن التعاونيات من التفاوض بشكل أفضل مع المشترين والشركات الكبرى، مما يضمن بيع المنتجات بأسعار مجزية بدلًا من البيع بأسعار زهيدة للتجار. كما أنها تساهم في تسويق المنتجات على المستويين الوطني والدولي من خلال المشاركة في المعارض والمهرجانات.ز
كما تركز العديد من التعاونيات على تثمين المنتجات المحلية عبر تحويلها إلى منتجات ذات قيمة مضافة. على سبيل المثال، يتم تحويل التمور إلى عجين التمر أو دبس التمر، وتصنيع زيوت الزيتون المحلية.
و تتجاوز أهمية التعاونيات الجانب الاقتصادي لتشمل تأثيرات اجتماعية عميقة تساهم في تحسين جودة حياة السكان المحليين، حيث توفر التعاونيات فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، لا سيما للنساء والشباب، سواء في عمليات الإنتاج أو التصنيع أو التسويق.
وتشكل التعاونيات النسائية أيضا، جزءًا مهمًا من النسيج الاقتصادي في زاكورة. تعمل هذه التعاونيات على تمكين النساء اقتصاديًا واجتماعيًا من خلال إشراكهن في مشاريع مربحة مثل إنتاج زيت الأركان، والحناء، والصناعات التقليدية، مما يعزز استقلاليتهن المادية ويمنحهن دورًا فاعلًا في اتخاذ القرار.
وفي نفس السياق، تساهم التعاونيات في الحفاظ على الموروث الثقافي والزراعي للمنطقة، وتشجع على استخدام تقنيات زراعية تقليدية صديقة للبيئة. كما أنها تلعب دورًا في المحافظة على أصناف التمور المحلية النادرة.
و رغم الدور الإيجابي الذي تلعبه التعاونيات، فإنها تواجه بعض التحديات التي تعيق نموها وتطورها، ذلك أن بعضها تعاني من نقص التمويل اللازم لشراء المعدات وتحديث وسائل الإنتاج والتسويق.
كما تواجه واحات زاكورة تحديات كبيرة بسبب ندرة المياه والجفاف، مما يؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي ولذلك فبعض التعاونيات بحاجة إلى تعزيز قدراتها الإدارية والتسويقية لمواكبة متطلبات السوق الحديثة.
وبالرغم من كل ما سبق ذكره، تُعد التعاونيات الفلاحية بواحات زاكورة نموذجًا ناجحًا في إطار الاقتصاد الاجتماعي التضامني. فهي ليست مجرد تجمعات فلاحية، بل هي مؤسسات تنموية حقيقية تساهم في تحسين دخل الفلاحين، وتمكين المرأة، وخلق فرص عمل، والحفاظ على التراث الواحاتي. ومع ذلك، فإن دعم هذه التعاونيات من خلال التمويل، والتكوين، وتوفير الحلول لمواجهة التغيرات المناخية سيساهم بشكل كبير في تعزيز دورها كركيزة أساسية للتنمية المستدامة بالمنطقة.



