الشَّاهِدُ

وجَدُوه
وَوَجْهُهُ نَحْوَ الرَّمَادْ،
وَعَيْنَاهُ مَفْتُوحَتَانِ
كَأَنَّهُمَا تَرْفُضَانِ أَنْ تُغْلَقَا
قَبْلَ أَنْ تَنْطِقَ الحَقِيقَةُ ذَاتُهَا.
فِي جَيْبِهِ
وَرَقَةٌ مَطْوِيَّةٌ،
مُجَعَّدَةٌ بِعَرَقِ أَيَّامٍ
قَضَاهَا بَيْنَ الرُّكَامِ وَالصُّرَاخِ
وَصِيَّةٌ
لَا تُقْرَأُ إِلَّا حِينَ
تُوَقِّعُ الرَّصَاصَةُ صَمْتَهُ.
كَتَبَهَا
لَا لِلْمَحَاكِمِ،
وَلَا لِأَرْشِيفِ التَّارِيخِ،
بَلْ لِأَطْفَالِهِ،
وَلِأُمِّهِ،
وَلِزَوْجَتِهِ،
وَلِكُلِّ مَنْ بَقِيَ مِنْ ذَوِي الإِنْسَانِيَّةِ:
عِيشُوا فِي سَلَامٍ،
وَأَحِبُّوا بِلَا حُدُودٍ،
وَقَاوِمُوا مَوْتَ الكَرَامَةِ.
كَانَ يَسِيرُ بَيْنَ
أَجْنِحَةٍ مَحْطُومَةٍ
حَيْثُ يَنْزِفُ الأَطِبَّاءُ بِجِوَارِ مَرْضَاهُمْ،
حَيْثُ تَهْمِسُ المُمرِّضَاتُ بِالرَّاحَةِ
فِي آذَانِ المُحْتَضِرِينَ،
حَيْثُ يُتْرَكُ الشُّيُوخُ
كَالكَرَاسِيِّ المَكْسُورَةِ فِي العَاصِفَةِ،
حَيْثُ الهَوَاءُ ذَاتُهُ
مَزِيجٌ مِنَ الرَّمَادِ وَالمُورْفِينِ.
الكَامِيرَا فِي يَدِهِ
صَغِيرَةٌ، لَا تَرْمِشُ،
عَيْنٌ أزَلِيَةٌ
تَلْتَقِطُ كُلَّ ارْتِجَافَةٍ،
كُلَّ زَهْرَةِ نَارٍ سَوْدَاءَ،
كُلَّ وَجْهٍ يَتَحَوَّلُ إِلَى غُبَارٍ.
آلَةُ الحَرْبِ
سَخِرَتْ مِنْ هَذِهِ الكَائِنَاتِ
بِالنِّسْبَةِ لَهَا
مُجَرَّدُ خيالٍ يَعْبُرُ الطَّرِيقَ،
جَاهِزٍ لِلسَّحْقِ.
وَلَكِنَّ الخَيالَ،
كَانَ يَعْلَمُ،
حَارِسٌ لِلْحَيَاةِ،
مُدَّخِرٌ لِلْبَقَاءِ.
شَاهَدَ
بَرَاعِمَ تَذْبُلُ قَبْلَ أَنْ تَشْرُقَ،
وَأَخْبَارَ المَوْتِ
تَدْخُلُ البَيْتَ كَفَأْسٍ،
وَحَنَاجِرَ الأُمَّهَاتِ
مُمَزَّقَةً بَيْنَ النَّحِيبِ وَالزَّغَارِيدِ.
وَرَأَى
أَنَّ قَتْلَ الإِنْسَانِ
لَا يَقْتُلُ الحَقِيقَةَ
فَالعَدَسَةُ فِي وَجْهِ الشَّهِيدِ
سَتَظَلُّ تُبَثُّ
مَا لَا تَسْتَطِيعُ أَيُّ آلَةٍ أَنْ تَمْحُوَهُ.
حَتَّى إِذَا سُحِقَ،
انْتَشَرَتْ حِكَايَتُهُ.
*هذا النص تفاعل مع كتابات صديقات عزيزات وأصدقاء أعزاء قد يجدون فيه آثارا لبوحهن/م وهو ليس مرثية فالشهداء احياء يرزقون بل اعتراف متواضع لهم بجميل لم ولن نتمكن نحن من القيام حتى بأقل منه …
عبداللطيف زكي
الرباط، في 13 غشت 2025



