أزمة الثقة تضرب القرض الفلاحي… مطالب بإصلاح عاجل قبل فوات الأوان

يفترض في المؤسسات البنكية أن تكون فضاءات لتيسير معاملات المواطنين،وتوفير خدمات سريعة وفعالة في زمن الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة،غير أن تجربة العديد من زبناء القرض الفلاحي للمغرب تكشف عن واقع مختلف حيث تتحول أبسط الإجراءات إلى معاناة طويلة تثقل كاهل الزبون وتضع صورة المؤسسة على المحك.
فبعدما كان القرض الفلاحي ينظر إليه كذراع مالي استراتيجي لدعم التنمية الفلاحية وخدمة ساكنة العالم القروي،صار اليوم موضوع انتقادات واسعة بسبب البيروقراطية المفرطة- غياب التجاوب والتأخر غير المبرر في إنجاز أبسط الخدمات.
من بين الأمثلة البارزة،قصة مواطن مغربي أوفى للبنك منذ سنة 2011 تقدم بطلب بسيط لتحويل حسابه من مدينة إلى أخرى في إجراء إداري لا يفترض أن يستغرق سوى دقائق معدودة،خصوصا مع توفر الوسائل الرقمية التي باتت تسمح بإنجاز مثل هذه العمليات بضغطة زر.لكن المفاجأة كانت صادمة: أزيد من شهرين ونصف من الانتظار،13 زيارة متكررة إلى الوكالات البنكية،عشرات المكالمات عبر الرقم الأخضر ومصلحة الزبناء… دون جدوى. النتيجة: العملية ظلت معلقة والزبون ظل رهينة صمت الإدارة وتهاون الموظفين.
الأمر لا يتعلق بحالة فردية معزولة،بل بشكاوى متعددة ومتكررة من زبناء عبر مناطق مختلفة من المغرب،ممن يشتكون من تأخر معالجة الملفات ضعف التنسيق بين الفروع والمقرات المركزية،غياب حلول رقمية متطورة وسلوك بعض الموظفين الذين يفتقدون لروح المبادرة وخدمة الزبون.
والأخطر أن هذه الأزمة لا تمس فقط زبناء المدن،بل تطال أساسا ساكنة القرى والمناطق النائية الذين يشكلون القاعدة الاجتماعية الرئيسية للبنك. هؤلاء الفلاحون والمهنيون الذين من المفترض أن يجدوا في القرض الفلاحي شريكا يسهل اندماجهم المالي ويدعم مشاريعهم،يجدون أنفسهم اليوم أمام عراقيل وبيروقراطية قد تعطل مصالحهم وتعرض استثماراتهم للفشل.
هذه الممارسات تعكس أزمة أعمق من مجرد تأخير إداري،إنها أزمة ثقة بين المؤسسة وزبنائها. فالمواطن الذي يطرق باب البنك لا يريد اعتذارات باردة عبر الهاتف،ولا مسح تعليقاته على الصفحات الرسمية،بل يطالب بحلول عملية وبتقدير حقيقي لقيمته كزبون.
وفي الوقت الذي تستثمر بنوك مغربية أخرى بقوة في الرقمنة وتحرص على جعل الزبون محور خدمتها عبر تسريع المعاملات وتبسيط المساطر،يظل القرض الفلاحي رهين مقاربة تقليدية أثبتت محدوديتها.وهو ما يدفع عددا متزايدا من الزبناء إلى إغلاق حساباتهم والهجرة نحو مؤسسات مالية أكثر مرونة وكفاءة.
إن استمرار هذا الوضع ينذر بتآكل صورة البنك وتراجع مكانته التاريخية داخل القطاع المالي الوطني.فالسوق البنكية المغربية تعرف اليوم منافسة حادة،والزبون لم يعد متسامحا مع التأخير أو اللامبالاة،بل أصبح أكثر وعيا بحقوقه وأكثر استعدادا لفضح التجاوزات.
ما السبيل إلى الإصلاح؟
أمام هذه التحديات، يصبح من الضروري أن يتجه القرض الفلاحي إلى إصلاحات جذرية،لعل أبرزها:
-الاستثمار في الرقمنة: إطلاق منصات رقمية عصرية تمكن الزبناء من إنجاز معاملاتهم بسهولة وسرعة،على غرار ما تقوم به الأبناك المنافسة.
-تعزيز الحكامة والشفافية: وضع آليات واضحة للتواصل مع الزبناء والتفاعل مع شكاياتهم في آجال محددة.
-تكوين وتحفيز الموظفين: تأهيل الموارد البشرية ليصبحوا في مستوى تطلعات الزبناء،مع ربط التقييم بالأداء الفعلي في خدمة المواطن.
-إعادة بناء الثقة: عبر حملات تواصلية صادقة،لا تقوم على الترويج الإعلاني فقط،بل على الاعتراف بالاختلالات وتقديم التزامات عملية لإصلاحها.
فمن دون هذه الخطوات،قد يجد القرض الفلاحي نفسه خارج دائرة الثقة التي تعبر عن روح العلاقة بين أي مؤسسة مالية وزبنائها،وهو ما قد يضعف دوره التاريخي كمؤسسة وجدت لخدمة الفلاحين ودعم التنمية القروية.



