حرب غزة تمتد إقليميًا: تصعيد عسكري.. كارثة إنسانية وحراك دبلوماسي عالمي متسارع

يشهد الشرق الأوسط أخطر تصعيد عسكري منذ سنوات، إذ تتواصل الحرب على غزة لليوم الحادي عشر على التوالي وسط مجازر دامية، فيما تمتد تداعياتها إلى اليمن وسوريا ولبنان، في ظل تحركات دبلوماسية دولية عاجلة ومحاولات لاحتواء الانفجار الإقليمي. وبينما تتكثف الضربات العسكرية، يتفاقم الوضع الإنساني داخل غزة إلى مستويات غير مسبوقة، ما ينذر بكارثة حقيقية تهدد حياة الملايين.
غزة تحت النار: تصعيد غير مسبوق ومقاومة شرسة
تواصل إسرائيل قصفها العنيف على مختلف مناطق قطاع غزة، حيث سجلت مئات الغارات الجوية والمدفعية في أقل من 48 ساعة، مستهدفة البنية التحتية والمناطق السكنية على حد سواء. وأفادت وزارة الصحة في غزة أن عدد الشهداء تجاوز 4,700 شخصًا بينهم 1,900 طفل، إضافة إلى أكثر من 11 ألف جريح، فيما لا يزال مئات المدنيين تحت الأنقاض وسط صعوبة عمليات الإنقاذ.
وتزامنًا مع هذه التطورات، شهدت جبهة حي الشجاعية وخان يونس اشتباكات عنيفة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية التي حاولت التوغل في عمق القطاع. وقد أعلنت كتائب القسام أنها استهدفت دبابة إسرائيلية من طراز “ميركافا” بصاروخ موجه، مؤكدة مقتل طاقمها، كما أعلنت سرايا القدس مسؤوليتها عن قصف مواقع إسرائيلية بـ عشرات الصواريخ بعيدة المدى وصلت حتى مشارف تل أبيب.
من جانبها، أكدت إسرائيل أنها استهدفت أكثر من 300 موقع عسكري تابع للفصائل خلال الساعات الماضية، مشيرة إلى أنها “لن توقف عملياتها حتى تدمير كامل البنية التحتية للمقاومة”. وفي المقابل، أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، أن “المقاومة في أفضل حالاتها” وأن “إسرائيل ستدفع ثمن عدوانها مهما طال الزمن”.
كارثة إنسانية تهدد غزة: فيروس غامض ومجاعة تلوح في الأفق
في موازاة التصعيد العسكري، يعيش أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في القطاع وضعًا إنسانيًا كارثيًا، حيث حذّرت وزارة الصحة من انتشار فيروس غامض في مراكز الإيواء المكتظة بعد تسجيل مئات الإصابات بين الأطفال والنساء، وسط انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية. كما أكدت تقارير أممية أن أكثر من 80% من سكان غزة فقدوا منازلهم بعد تدمير 70 ألف وحدة سكنية بشكل كامل وجزئي.
من جهته، حذّر برنامج الأغذية العالمي من أن القطاع بات على شفا مجاعة وشيكة، بعدما فقدت معظم العائلات مخزونها الغذائي، وتوقف الإمدادات الإنسانية جراء الحصار الكامل. كما أعلنت وكالة الأونروا أن نحو 1.7 مليون نازح يعيشون في ظروف وصفت بـ”غير الآدمية”، وسط نقص حاد في المياه الصالحة للشرب والكهرباء والدواء.
امتداد الصراع إلى اليمن: استهداف إسرائيلي وتصعيد حوثي
وفي تطور خطير يعكس توسع رقعة المواجهة، شنّت إسرائيل غارة جوية على موقع عسكري في صنعاء، قالت إنه يستخدم لتخزين طائرات مسيّرة تابعة لجماعة الحوثي، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.
وردًا على ذلك، توعدت قيادة الحوثيين بتنفيذ عمليات عسكرية نوعية تستهدف المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن، معتبرة أن “العدوان على صنعاء إعلان حرب مفتوحة”. وأعلنت القوات الحوثية أنها نشرت صواريخ بالستية بعيدة المدى في الحديدة استعدادًا لأي مواجهة قادمة، محذّرة السفن الإسرائيلية من الاقتراب من المياه الإقليمية اليمنية.
توتر على الحدود السورية واللبنانية: استعدادات عسكرية إسرائيلية وضغوط أممية
وفي سوريا، رصدت تقارير ميدانية تعزيزات عسكرية إسرائيلية ضخمة على طول الحدود الجنوبية في محيط القنيطرة ودرعا، بالتزامن مع تكثيف الطلعات الجوية للطائرات المسيّرة فوق مناطق الجولان. وقالت مصادر دبلوماسية إن تل أبيب أرسلت رسائل تحذيرية عبر الأمم المتحدة بأنها “لن تتهاون مع أي نشاط عسكري يستهدفها من الأراضي السورية”.
أما في لبنان، فتواصلت الاشتباكات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي على الحدود الجنوبية، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى من الجانبين. وفي ظل تصاعد التوتر، أعلن مجلس الأمن الدولي بالإجماع تمديد مهمة قوات اليونيفيل لعام إضافي، مطالبًا بتوسيع صلاحياتها لمراقبة الحدود ونزع السلاح من المناطق المتاخمة للخط الأزرق.
تحركات دولية مكثفة: انقسام في المواقف وتصاعد الدعوات للتهدئة
على الصعيد الدولي، يشهد المشهد الدبلوماسي حراكًا واسعًا لاحتواء الأزمة المتفاقمة. فقد دعت الأمم المتحدة إلى وقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية آمنة، محذّرة من “كارثة إنسانية غير مسبوقة” إذا استمر العدوان.
من جانبها، عبّرت تركيا عن استيائها الشديد من التصعيد الإسرائيلي، مؤكدة أنها ستتخذ إجراءات قانونية في المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المسؤولين عن “جرائم حرب”. كما دعت كل من إسبانيا وماليزيا والنرويج إلى فرض عقوبات اقتصادية صارمة على إسرائيل، بينما شددت فرنسا على ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات باعتبارها السبيل الوحيد لتجنب انفجار شامل في المنطقة.
أما الولايات المتحدة، فواصلت دعمها المعلن “لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، لكنها حذرت من “انهيار الوضع الإنساني” داخل غزة، داعية إلى التوصل لاتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار يتيح إدخال المساعدات الإنسانية.
مشهد معقد ومفتوح على جميع الاحتمالات
مع اتساع رقعة الحرب ووصول تداعياتها إلى اليمن وسوريا ولبنان، يتجه المشهد الإقليمي نحو مرحلة أكثر تعقيدًا، في ظل غياب أي مؤشرات جدية لوقف التصعيد. فبينما تصر إسرائيل على مواصلة عملياتها العسكرية حتى “تحقيق أهدافها الاستراتيجية”، تؤكد فصائل المقاومة الفلسطينية أن “المواجهة طويلة” وأن “المعادلة العسكرية ستتغير جذريًا”.
وبينما يستمر نزيف الدم في غزة ويزداد الوضع الإنساني سوءًا، يبقى المجتمع الدولي عاجزًا عن فرض تسوية شاملة، ما يترك المنطقة مفتوحة على سيناريوهات أكثر خطورة قد تشمل مواجهة إقليمية واسعة أو تدخلًا دوليًا مباشرًا في حال فشل المساعي الدبلوماسية الحالية.



