المغرب يدخل سنة الحسم قبل انتخابات 2026

مع بداية شتنبر، يدخل المغرب مرحلة حاسمة من مساره السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث بدأ العدّ التنازلي لانطلاق الدخول السياسي الأخير في عمر الولاية الحكومية الحالية بقيادة حزب التجمع الوطني للأحرار، قبل سنة واحدة من محطة انتخابات 2026 المنتظرة، والتي يُتوقع أن تفرز ما بات يُعرف بـ”حكومة المونديال”. وفي هذا السياق، تتباين طموحات الأحزاب السياسية بين رغبة الأغلبية في ضمان الاستمرارية، وسعي المعارضة إلى انتزاع الصدارة، في وقت يشتد فيه السباق نحو كسب ثقة الناخبين واستمالة الشارع المغربي.
وتضع الحكومة ضمن أولوياتها الإعداد الجيد للانتخابات التشريعية المقبلة، إذ يُنتظر أن يحتدم النقاش خلال الأسابيع والأشهر القادمة حول سبل ضمان شفافية الاستحقاقات ونزاهتها، بينما يسعى حزب التجمع الوطني للأحرار إلى تمكين رئيسه عزيز أخنوش من ولاية ثانية، وسط آمال عريضة لحلفائه في حزب الأصالة والمعاصرة بقيادة فاطمة الزهراء المنصوري، وحزب الاستقلال بقيادة نزار بركة، اللذين يترقبان بدورهما فرصة قيادة “حكومة المونديال”.
وفي موازاة الدينامية السياسية، تشهد الساحة الاقتصادية تطورات لافتة، حيث فعّلت المديرية العامة للضرائب خوارزميات ذكية لتحليل التصريحات الجبائية ورصد التناقضات والأخطاء في المعطيات المقدمة من قبل الشركات والمقاولين الذاتيين. وأرسلت الإدارة الجبائية مئات الرسائل التذكيرية الفورية إلى الملزمين، مطالبةً إياهم بإيداع إقرارات تصحيحية داخل أجل 30 يومًا، تفاديًا لتحميلهم تكاليف إضافية وغرامات ثقيلة في حال عدم الامتثال. هذه الإجراءات دفعت المقاولات والمحاسبين إلى الدخول في سباق مع الزمن لتسوية أوضاعهم الضريبية، خاصة في ظل تفعيل المسطرة السريعة المنصوص عليها في المادتين 221 و221 مكرر من المدونة العامة للضرائب.
وفي القطاع الفلاحي، بدأت مختلف المناطق المغربية تشهد دينامية متصاعدة مع اقتراب الموسم الفلاحي الجديد، حيث شرع الفلاحون في تقليب الأراضي وتهيئتها استعدادًا لمرحلة الزرع، على أمل أن يكون الموسم أفضل من سابقَيه. ومن المنتظر أن تبدأ زراعة الحبوب في أكتوبر المقبل، بينما تتواصل عمليات غرس الشمندر السكري والفصة والخرطال في مناطق السقي، إضافة إلى زراعات أخرى تشمل قصب السكر والبقوليات المختلفة. ويرى خبراء في المجال أن التساقطات المطرية الأخيرة أعادت الثقة إلى الفلاحين، داعين إلى اعتماد استراتيجية مدروسة لتحديد المناطق الزراعية المناسبة وضبط توقيت الزرع بما يتماشى مع التغيرات المناخية المتسارعة.
وفي الشأن الديني والاجتماعي، أصدر أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، أمره السامي إلى المجلس العلمي الأعلى لإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة، لاسيما ما يتعلق بالمداخيل المكتسبة من الأنشطة الاقتصادية الحديثة والاستثمارات الجديدة، وذلك استجابةً للأسئلة المتزايدة حول النصاب والمقادير ومواعيد الإخراج.
أما في قطاع التعليم، فقد انطلق رسميًا الموسم الدراسي الجديد 2025/2026 اليوم الاثنين، حيث التحق أزيد من سبعة ملايين تلميذ وتلميذة بمختلف المؤسسات التعليمية في ظرفية خاصة يطبعها تسريع ورش إصلاح التعليم. وتراهن الوزارة الوصية على تعميم تجربة “مدارس الريادة”، التي أظهرت نتائج أولية مشجعة في تحسين التعلمات وتقوية الكفايات في اللغات والرياضيات والعلوم.
وعلى المستوى الاقتصادي، أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح أن الحكومة تمتلك جميع الصلاحيات اللازمة لتأطير الأسعار وتسقيفها إذا اقتضت الظروف ذلك، مشددةً على أن نصف ميزانية الدولة موجه لدعم التعليم والصحة والسكن والحماية الاجتماعية، في إطار تعزيز الإدماج الاجتماعي وتقليص الفوارق بين الفئات.
وفي الشأن الدولي، واصل المغرب تعزيز حضوره الاستراتيجي، إذ شهدت مدينة الدار البيضاء اجتماعًا اقتصاديًا مهمًا جمع فاعلين مغاربة وأتراك لمناقشة فرص الاستثمار وتعزيز الشراكات الصناعية والتجارية. وفي القاهرة، ثمن وزراء الخارجية العرب، خلال اجتماع مجلس جامعة الدول العربية، الدور الريادي للمملكة المغربية بقيادة جلالة الملك في دعم القضايا العربية والعمل العربي المشترك. كما أنهى السفير عمر هلال بنجاح المفاوضات بشأن الإعلان السياسي للقمة الاجتماعية الثانية المرتقبة في الدوحة، وهو إنجاز دبلوماسي وصفه مسؤولو الأمم المتحدة بالنادر في السياق المتعدد الأطراف الحالي.
وفي إطار التحضيرات لكأس أمم إفريقيا 2025، تواصل مدينة أكادير أشغال تهيئة محيط ملعبها الكبير بوتيرة متسارعة، حيث خُصصت ميزانية تفوق 500 مليون درهم لضمان جاهزيته قبل انطلاق المنافسات في 21 دجنبر المقبل. وفي قطاع المياه، كشف وزير التجهيز والماء نزار بركة عن ارتفاع نسبة ملء السدود إلى 37 في المائة، رغم استمرار تحديات الجفاف للسنة السابعة على التوالي، مؤكدًا أهمية تبني استراتيجيات أكثر فعالية لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية.
ومن جانب آخر، صادقت الحكومة على مشروع قانون جديد لتعويض المصابين في حوادث السير، يهدف إلى تعزيز الحماية الاجتماعية للضحايا وتحقيق التوازن بين حقوقهم واستدامة قطاع التأمين. كما أطلقت المملكة مشروعًا استراتيجيًا لتركيب أكثر من 22 ألف لوحة شمسية عائمة فوق سد طنجة المتوسط، في خطوة طموحة نحو تعزيز الطاقات المتجددة والاعتماد على مصادر نظيفة للإنتاج الكهربائي.
وفي سياق آخر، كشف تقرير حديث أن المغرب احتل المرتبة التاسعة إفريقيًا في معدل انتشار السمنة بنسبة 13.79 في المائة، بينما نجحت وزارة الصحة، عبر حوار مثمر مع ثلاث نقابات للصيادلة، في التوصل إلى اتفاق يروم تحسين النموذج الاقتصادي للصيدليات وضمان توازنها المالي، مع جدولة تنفيذ مطالب هذه الفئة.
أما أمنيًا، فقد أحالت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء ستة أشخاص يشتبه في ارتباطهم بشبكة إجرامية متخصصة في السرقة وإخفاء عائدات عمليات سطو ارتكبت في فرنسا، بعد حجز 31 هاتفًا محمولًا متحصلًا من عملية سطو مسلح.
وبين دينامية سياسية متسارعة، وإصلاحات اقتصادية واجتماعية كبرى، واستعدادات مكثفة لموسم فلاحي وحدث رياضي قاري، يترقب المغاربة عامًا استثنائيًا حافلًا بالتحديات والرهانات، فيما تبقى الأنظار شاخصة نحو ما ستسفر عنه موازين القوى مع اقتراب موعد انتخابات 2026 وما بعدها.



