Hot eventsأخبارفي الصميم

عصر التفاهة… حين يصبح التافهون قدوة الأجيال

لم يعد الحديث عن “عصر التفاهة” ترفًا فكريًا أو مجرد مصطلح متداول في النقاشات الثقافية، بل أصبح واقعًا نعيشه يوميًا، حيث تصنع وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي نجوماً من ورق، وتضعهم على قمة هرم القدوة، فقط لأنهم يملكون المال أو السيارات الفاخرة أو الشهرة السطحية، بينما يتم تهميش الكفاءات الحقيقية وأصحاب الفكر والإبداع.

لقد تحوّل القدوة في زمننا هذا إلى صورة نمطية تافهة: شاب أو فتاة يستعرضان مظاهر الرفاهية في منصات التواصل، سيارات فاخرة، رحلات مترفة، ماركات عالمية، وابتسامات مصطنعة. والأدهى من ذلك أن هذه الصورة تُسوَّق على أنها “المثال الأعلى” الذي يجب أن تتبعه الأجيال الصاعدة، فتجد المراهقين والشباب يلهثون خلف وهم الثراء السريع والشهرة الفارغة، دون أي قيمة حقيقية تُبنى عليها حياتهم.

إن أخطر ما في “عصر التفاهة” أنه يُسقط قيمة العمل والمعرفة والإبداع، ويرفع من شأن المظاهر الزائفة، حتى أصبحت مكانة الفرد تُقاس بعدد متابعيه على منصات التواصل الاجتماعي، لا بإنجازاته أو فكره أو إسهاماته في المجتمع. وفي خضم هذا التحول الخطير، صارت المدارس والجامعات والمؤسسات نفسها تخضع لهذا المنطق، فترى بعض الإدارات تُكرّم أصحاب الشهرة أكثر مما تكرّم العلماء والمفكرين والمبدعين.

لقد عظمنا قيمة المال إلى درجة جعلناها المعيار الوحيد للنجاح، حتى فقدت المجتمعات بوصلتها الأخلاقية والفكرية. أصبح الشاب يحلم بأن يكون “تافهًا غنيًا” بدل أن يكون عالمًا أو مبتكرًا أو مصلحًا. هذا الانقلاب في منظومة القيم يهدد مستقبل الأجيال، لأنه يُنتج أجيالًا هشّة تبحث عن البريق الخارجي بدل بناء ذاتها.

إن مواجهة عصر التفاهة ليست ترفًا فكريًا بل ضرورة اجتماعية، تتطلب إعادة الاعتبار للعلم، وتشجيع التفكير النقدي، ودعم المبدعين وأصحاب الفكر، بدل الترويج لنماذج استهلاكية فارغة. فالمجتمع الذي يرفع التافهين إلى مصاف القدوة هو مجتمع يسير نحو الانحدار، بينما المجتمعات التي تصنع قدوات حقيقية قادرة على التغيير هي التي تملك مستقبلها.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button