قرارات تأديبية في قطاع الصحة.. بين الإجراءات الرسمية والتحليل النقدي

قالوا ناس زمان: “طاحت الصومعة، علقوا الحجام.” هذا المثل ينطبق تماما على ما أعلن عنه وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي خلال زياراته لمستشفى أكادير ومجموعة من المستشفيات، من إعفاءات وقرارات تأديبية وأخرى أحالها على المفتشية العامة لوزارة الصحة والتي تضم الأطباء والممرضين وأطقم إدارية، وكأن هذه القرارات المتخذة هي التي كانت سببا في تردي الخدمات الصحية المقدمة للمواطن، وهي من ستصلح المنظومة الصحية التي تعاني خللا بنيويا يستدعي تدخلا سياديا وليس سياسيا.
وزير الصحة أراد أن يعلق فشل المنظومة الصحية بكاملها في الأطباء والممرضين والأطر الإدارية، فإذا كان كذلك، فأول شخص يجب أن يتخذ في حقه قرار الإعفاء هو الوزير نفسه لأنه هو المسؤول عن فشل هذه المنظومة الصحية، فكيف لوزارة حساسة يتم تسييرها من طرف شخص بعيد كل البعد عن القطاع عن همومه وانشغالاته ومشاكله؟.
يقوم الوزير بتأديب الطبيب والممرض، هل هؤلاء هم المسؤولون عن توفير المستلزمات الصحية والعلاجية؟ هل هم من يتحملون مسؤولية توفير اللوازم الخاصة بالجراحة والتطبيب والعلاج؟ هل هم من يتحملون مسؤولية الصحة في العالم القروي؟ أم أن الوزارة هي المسؤولة وهي من تتحمل مسؤولية تردي الخدمات الصحية والعلاجية للمواطن، والوزارة هي الملزمة بالتنزيل السليم للحق الدستوري الذي منع الواجب أن يتمتع به كل مواطن مغربي على حد سواء، فالصحة حق وليست امتياز يتم منحه بمنطق الولاء السياسي والمحاباة.
ما تعيشه المستشفيات والمراكز الاستشفائية من وضعية كارثية وتردي في الخدمات المقدمة يتطلب “تأديب” الوزارة برمتها وليس الإعفاء فقط.
ما يعيشه قطاع الصحة من مشاكل، وإن كان كما قال رئيس الحكومة إنه إرث قديم، إلا أنه ازداد تدهورا مع “حكومة الكفاءات”.
فمنذ تشكيل هذه الحكومة التي أطلقت على نفسها صفات لا تجسد على أرض الواقع تماما، يعيش قطاع الصحة تعثرا كبيرا، سببه الولاء الحزبي ومنطق المحاباة.
أولا، تم اقتراح وزيرة للصحة كانت تشتغل منصب مديرة جهوية، تم إعفاؤها من طرف الوزير السابق.ثانيا، اسبوع بعد التعيين تم تغيير الوزيرة بالوزير السابق، وكأن تعيين الوزيرة كان بمثابة رد اعتبار، وقرص أذن الوزير السابق ليخدم أجندة معينة. ثالثا، تعيين مديرة جهوية جديدة جهة أكادير، وهي نفسها التي تم إعفاؤها من منصب مديرية جهة مراكش، وهي نفسها التي تم الاستغناء عن خدماتها حاليا من جهة الداخلة. وقبل كل هذا كله، اقتراح وزير بعيد كل البعد عن المنظومة الصحية، لا هو بأستاذ ولا بطبيب جراح، ولا بطبيب عام، ولا بممرض. فكيف أمام كل هذه التعثرات يمكن لنا أن نقول أن قطاع الصحة بخير وعلى ما يرام؟
كما سبقت الإشارة، قطاع الصحة اليوم وقطاع التعليم يجب أن يكونا من القطاعات السيادية الوصاية عليهما تكون سيادية وليست سياسية، فالسياسة إن لم تصلح فهي تفسد، وأولى مراحل الإفلاس والتعثر هي التعيينات والاقتراحات التي تكون مبنية على أساس الولاء السياسي وليس على برنامج عمل.



