بين المشاريع الملكية وفساد الحكومة… جيل Z يرفع صوت الاحتجاج من أجل العدالة الاجتماعية

في أجواء الاستعدادات المكثفة، استنفرت السلطات بإقليم مديونة مصالحها ومختلف الجماعات الترابية تأهبا لزيارة ملكية مرتقبة، حيث شهدت جماعتا تيط مليل وسيدي حجاج واد الحصار أشغال تهيئة واسعة للطرقات وصباغة الأرصفة وإصلاح الإنارة العمومية، في أفق استقبال الملك محمد السادس الذي ينتظر أن يدشّن مشاريع اجتماعية وتنموية، من أبرزها وضع الحجر الأساس للمركب الجهوي لاستقبال وإعادة تأهيل وإدماج الأشخاص ذوي الأمراض العقلية والنفسية، على مساحة تناهز 20 هكتاراً وبكلفة مالية تقارب 30 مليار سنتيم، في إطار شراكة بين مؤسسات الدولة والسلطات المحلية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن.
وفي سياق آخر، وعلى المستوى الدبلوماسي، جددت الولايات المتحدة الأمريكية عبر مستشار الرئيس دونالد ترامب لشؤون إفريقيا، مسعد بولس، التزامها الثابت بدعم سيادة المغرب على صحرائه، خلال لقائه بوزير الخارجية ناصر بوريطة على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين. وأكدت واشنطن أن مبادرة الحكم الذاتي تمثل الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع الإقليمي، مبرزة أهمية الاستثمارات الأمريكية في الأقاليم الجنوبية، ومشيرة إلى أن المغرب بات شريكا محوريا في المشاريع الإفريقية الكبرى من أنبوب الغاز النيجيري–المغربي إلى مبادرة الدول الأطلسية الإفريقية، ما يعكس صلابة الموقف الأمريكي في أفق صدور قرار جديد عن مجلس الأمن الأممي شهر أكتوبر المقبل.
وبينما تتعزز المواقف الدولية المؤيدة لمغربية الصحراء، عاد إلى الواجهة ملف منطقة القبائل بالجزائر، بمناسبة الذكرى الثامنة لإيداع حركة “ماك” وحكومة القبائل المؤقتة مذكرة لدى الأمم المتحدة للمطالبة بحق تقرير المصير. وقد جدد نشطاء أمازيغ مغاربة دعمهم لحقوق الشعب القبائلي، معتبرين أن المطلب لا يعني الانفصال بالضرورة، بل البحث عن حل سياسي يضمن الاعتراف بالهوية الثقافية المصادرة. وأكد حقوقيون من الكونغرس العالمي الأمازيغي والعصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان أن النظام الجزائري واجه مطالب القبائل بالقمع والتهميش، وأن الملف يستدعي مقاربة إستراتيجية دولية تحترم المواثيق الأممية وتكفل لهذا الشعب ممارسة حقوقه المشروعة.
أما في الداخل، فتواصل تاونات رسم ملامح تحول اقتصادي واجتماعي عميق مع تقنين زراعة القنب الهندي، حيث بلغت المساحة المزروعة سنة 2025 أزيد من 2000 هكتار يؤطرها ما يفوق 110 تعاونية محلية، ضمن دينامية وطنية تضاعفت في ظرف سنة لتصل إلى نحو 4750 هكتار و366 تعاونية. وقد رخصت الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي بالملايين من البذور المستوردة والمحلية، وواكبت الفلاحين في مشاريع التحويل وإنشاء وحدات صناعية عصرية، بعضها يعتمد تقنيات نظيفة باستخراج المواد الفعالة للاستخدام في الصناعات الصيدلانية والتجميلية. هذا التحول، كما يشهد عليه الفلاحون والتعاونيات، منح دخلا قاراً وفرص عمل محلية، وفتح آفاقا لتثبيت الشباب في أراضيهم وإرساء اقتصاد أكثر استدامة.
وفي السياق الاجتماعي، عبّر شباب مغاربة منخرطون في حركة “جيل زد 212” عن مطالب مشروعة تخص التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية، في احتجاجات سلمية مستقلة عن أي تنظيم سياسي. وقد شدد النشطاء على أن هذه الحركة تمثل صوت جيل يشعر بالتهميش ويبحث عن فضاء للحوار الجاد مع المسؤولين، فيما دعا الفاعلون المدنيون الحكومة إلى اعتماد مقاربة تشاركية تضع قضايا الشباب في صلب السياسات العمومية، بدل الاقتصار على حلول ظرفية أو مقاربات أمنية، محذرين من أن استمرار الإهمال يهدد بتعطيل طموحات أجيال كاملة.
هكذا يتضح أن المشهد الوطني والدولي يشهد تفاعلات متزامنة: من تعبئة داخلية لتدشين مشاريع ملكية كبرى في مديونة، إلى صلابة الموقف الأمريكي الداعم للوحدة الترابية، مروراً بتنامي النقاش الحقوقي حول ملف القبائل في الجزائر، وصولاً إلى التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تصنعها دينامية تقنين القنب الهندي وارتفاع صوت الشباب المغربي المطالب بمستقبل أكثر عدالة وإنصافاً.
وفي سياق الحضور المغربي المتزايد في المحافل الدولية، شهد مقر الأمم المتحدة بنيويورك إطلاق مبادرة رائدة تحمل اسم “قطب المغرب الرقمي من أجل التنمية المستدامة”، بشراكة بين المملكة المغربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهي خطوة استراتيجية تعكس رؤية جلالة الملك محمد السادس لجعل الرقمنة والذكاء الاصطناعي رافعتين أساسيتين للتنمية في إفريقيا والعالم العربي. وأكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش أن هذه المبادرة تأتي لتسريع التحول التكنولوجي وخلق فرص الشغل وتعزيز السيادة الرقمية.
وبينما يتواصل الحضور المغربي في الواجهة الدولية، احتفل الشعب المغربي والأسرة الملكية بذكرى ميلاد صاحبة السمو الملكي الأميرة للا أسماء، التي كرست حياتها لخدمة العمل الاجتماعي، وخاصة رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من الصم والبكم، من خلال مؤسسة للا أسماء الرائدة في هذا المجال.
وفي مواجهة تحديات ندرة المياه، تواصل وزارة التجهيز والماء إنجاز مشاريع مبتكرة لتجميع مياه الأمطار، حيث بلغ عدد المشاريع المنجزة إلى حدود 2025 حوالي 187 مشروعا تشمل خزانات ومطفيات ومنشآت للتطعيم الاصطناعي للفرشات المائية. الوزير نزار بركة أوضح أن هناك 103 مشاريع أخرى قيد الإنجاز، ما يؤكد جهود المغرب لتأمين موارد مائية بديلة.
ومن وجدة، تم تسليم شواهد ملكية بقع أرضية لفائدة ذوي حقوق شهداء الأمة ومعطوبي العمليات العسكرية والعائدين، في إطار العناية السامية التي يوليها جلالة الملك محمد السادس لأفراد القوات المسلحة الملكية وعائلاتهم، حيث استفاد 122 شخصا ضمن النفوذ الترابي للمندوبية الجهوية لمؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين.
وعلى مستوى آخر، أكد سيرج بيرديغو، السفير المتجول لجلالة الملك، خلال تكريم بنيويورك، أن إمارة المؤمنين التي يضطلع بها جلالة الملك تشكل ضمانة لحرية ممارسة الديانات السماوية الثلاث، مبرزا ما يسميه “الاستثناء المغربي” الذي يكرسه دستور 2011 بالاعتراف بالرافد العبري كجزء من الهوية الوطنية المتعددة.
وفي المجال الاقتصادي، حقق المغرب قفزة نوعية في مؤشر تطور الأعمال لسنة 2025، بصعوده 57 مرتبة دفعة واحدة ليحتل المرتبة 68 عالميا، بفضل بيئة الأعمال وتحفيز الابتكار. كما رفع البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية توقعاته لنمو الاقتصاد المغربي إلى 4.2 في المائة سنة 2025، و4 في المائة سنة 2026، مدعوما بالاستثمارات العامة.
وتعزيزا للثقة الدولية في الاقتصاد الوطني، منحت وكالة “ستاندرد آند بورز” المغرب التصنيف السيادي “بي بي بي ناقص”، ليعود إلى فئة الدرجة الاستثمارية، وهو ما سيسهل ولوج المملكة إلى التمويلات الدولية بشروط ميسرة ويزيد من جاذبية الاستثمارات الأجنبية.
هذا الزخم الاقتصادي ترافق مع حضور دبلوماسي وازن للمغرب في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أكد ناصر بوريطة أن المملكة تساهم بفعالية في القضايا العالمية الكبرى، من السلم والأمن إلى التغير المناخي والهجرة. كما جدد المستشار الخاص للرئيس الأمريكي للشؤون الإفريقية، مسعد بولس، دعم واشنطن الثابت لسيادة المغرب على صحرائه ولمخطط الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد للنزاع الإقليمي.
وفي الدار البيضاء، تستعد المدينة لاحتضان الدورة الخامسة للمنتدى المغربي–الخليجي للاستثمار يومي 3 و4 نونبر المقبل، بمشاركة واسعة من مسؤولين ومقاولين ومستثمرين، في إطار تعزيز الشراكة بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي وفتح آفاق أرحب نحو القارة الإفريقية.
داخليا، فتحت الحكومة ورش مراجعة مدونة الشغل بعد عشرين سنة من اعتمادها، حيث وجه وزير الإدماج الاقتصادي يونس السكوري مراسلة إلى المركزيات النقابية الكبرى لبدء النقاش حول صياغة نص تشريعي جديد يواكب التحولات الاقتصادية والاجتماعية.
وفي السياق نفسه، أشاد المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الصناعية والتقييس والتعدين، عادل الصقر، بالدور الاستراتيجي للمغرب في دعم العمل العربي المشترك، مبرزا نجاح منصة “APIP.online” التي تجاوزت ملايين الزيارات كفضاء رقمي للتبادل التجاري والصناعي بين الدول العربية.
وفي جو روحاني، أشرفت لجنة ملكية بمدينة سطات على تسليم هبة ملكية لضريح الولي الصالح سيدي لغليمي، بمناسبة الذكرى السابعة والعشرين لوفاة جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، في حضور السلطات المحلية وعدد من الشخصيات المدنية والعسكرية.
هكذا يتضح أن المغرب يجمع في مساره بين إشعاع دولي متزايد، وإصلاحات اقتصادية متقدمة، ومبادرات اجتماعية وإنسانية متجددة، بما يعكس الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس في تعزيز مكانة المملكة إقليميا ودوليا.



