أسرع إنترنت في العالم.. اليابان تحقق رقمًا قياسيًا عالميًا جديدًا في سرعة نقل البيانات

شهد العالم خلال العقود الثلاثة الماضية تطورًا هائلًا في تقنيات الإنترنت، إلا أن اليابان أثبتت مجددًا ريادتها في مجال تكنولوجيا الاتصالات، بعدما أعلن المعهد الوطني لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (NICT) عن تسجيل رقم قياسي عالمي جديد في سرعة نقل البيانات. فقد تمكن فريق من الباحثين في المعهد من تطوير كابل فائق التطور من الألياف الضوئية يضم 19 نواة داخلية، قادر على نقل بيانات بسرعة مذهلة تبلغ 1.02 بيتابت في الثانية، وذلك عبر مسافة تتجاوز 1800 كيلومتر، أي ما يعادل تقريبًا المسافة بين نيويورك وفلوريدا.
تتجاوز هذه السرعة الفائقة بأضعاف متوسط سرعات الإنترنت المعروفة حاليًا، إذ تفوق سرعة الإنترنت المنزلي التقليدي بنحو أربعة ملايين مرة. ومن أجل توضيح حجم هذا الإنجاز، يمكن القول إن المستخدمين بات بإمكانهم تحميل كامل أرشيف الإنترنت (Internet Archive) في أقل من أربع دقائق فقط، حسب التقديرات الأولية، وهو ما يعكس قفزة نوعية في مجال نقل البيانات على المستوى العالمي. وقد تفوق هذا الرقم القياسي الجديد على الرقم السابق المسجل سنة 2024 في جامعة أستون البريطانية، الذي بلغ حينها 50,250 جيجابايت في الثانية فقط، مما يجعل من الابتكار الياباني تقدمًا هندسيًا غير مسبوق في هذا القطاع.
يكمن سر هذا الإنجاز المذهل في نجاح الفريق الياباني في تطوير نوع جديد من كابلات الألياف الضوئية، يتميز بدمج 19 ليفًا بصريًا مستقلًا ضمن كابل لا يتعدى قطره 0.127 مليمتر، وهو نفس سمك الكابلات الفردية المستخدمة حاليًا. ويُعد هذا التصميم الثوري إنجازًا حقيقيًا في الهندسة البصرية، لأنه يسمح بزيادة القدرة على نقل البيانات دون الحاجة إلى تغيير البنية التحتية الحالية بشكل كامل، مما يسهل عمليات التوسعة والتطوير الشبكي بكلفة أقل وجهد تقني أقل. كما أن مراكز الألياف الـ19 تتفاعل مع الضوء بالطريقة نفسها، ما يقلل من تذبذبه وبالتالي يحد من فقدان البيانات أثناء النقل عبر مسافات طويلة.
وقد جرى تقديم تفاصيل هذا التقدم الكبير خلال الدورة الثامنة والأربعين من مؤتمر اتصالات الألياف البصرية، الذي احتضنته مدينة سان فرانسيسكو، حسب ما أعلنه المعهد الياباني في بيان رسمي، مؤكدًا أن هذا الإنجاز يندرج ضمن خطة وطنية شاملة لتعزيز قدرة اليابان على مواجهة تحديات المستقبل الرقمي.
لم يكن هذا التقدم التقني بالأمر السهل، فقد سبق للفريق ذاته أن سجل سرعة نقل عالية في مارس 2023، لكن على مسافة أقصر بكثير. التحدي الأكبر كان في مدى فعالية نقل البيانات لمسافات أطول دون فقدانها أو تدهورها، وهو ما تطلب تعزيز قدرة الكابل على تضخيم الإشارة والحفاظ على جودتها على امتداد أكثر من 1800 كيلومتر. وقد مكنت التحسينات التقنية الجديدة الفريق من إرسال البيانات عبر نظام إرسال متكرر 21 مرة، إلى أن وصلت في النهاية إلى جهاز الاستقبال بعد قطع مسافة تقارب 1120 ميلًا.
ويشير هذا الإنجاز إلى تحول نوعي في مستقبل شبكات الاتصالات، إذ من شأنه تمهيد الطريق نحو بناء أنظمة ضوئية متقدمة، ذات قدرة عالية وقابلية للتوسعة على المدى الطويل، ما يجعلها مثالية لتلبية الطلب المتزايد على البيانات عالميًا. وبالنظر إلى تسارع الابتكارات الرقمية وتوسع استخدامات الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، فإن البنية التحتية الحالية لن تظل قادرة على مجاراة هذا النمو. وهنا تبرز الحاجة الماسة إلى شبكات فائقة السرعة مثل تلك التي طورتها اليابان، باعتبارها العمود الفقري لعصر ما بعد الجيل الخامس (5G).
وعلى الرغم من أن السرعات الفائقة التي توصلت إليها اليابان قد تبدو غير ضرورية للاستخدامات المنزلية العادية، مثل مشاهدة الفيديوهات أو تصفح الإنترنت، إلا أن الخبراء يؤكدون أن الحاجة إليها ستتضاعف بشكل غير مسبوق خلال السنوات القليلة المقبلة. فالعالم يتجه بسرعة نحو الاعتماد الكلي على الخدمات الرقمية الفائقة، ومع توسع مراكز البيانات العالمية والحاجة لنقل كم هائل من المعلومات في لحظات، ستكون هذه التقنية هي الحل الأمثل.
إن هذه الكابلات المتطورة ستصبح قريبًا جزءًا لا يتجزأ من البنية التحتية الرقمية في العالم، لتشكل الأساس الذي سيقوم عليه مستقبل التواصل والإبداع والابتكار. فالعالم الرقمي الجديد لن يُبنى إلا على دعائم من السرعة والموثوقية والمرونة، وهي العناصر التي أصبحت اليوم ممكنة بفضل ما حققه الباحثون اليابانيون من تقدم علمي مدهش.



