أخبارالرئيسيةفي الصميمقضاء وقانون

المحاماة في واجهة النضال الحقوقي: المحاميان نوفل بوعمري و سعاد لبراهمة على رأس أكبر الجمعيات الحقوقية بالمغرب

شهد الحقل الحقوقي بالمغرب خلال الأشهر الأخيرة تحوّلًا لافتًا تمثل في انتخاب محاميين بارزين لرئاسة اثنتين من أعرق وأهم الجمعيات الحقوقية المغربية. فقد جرى انتخاب الأستاذ نوفل بوعمري، المحامي بهيئة تطوان، رئيسًا جديدًا للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، كما انتُخبت الأستاذة سعاد لبراهمة، المحامية بهيئة سطات، على رأس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خلال مؤتمرها الرابع عشر المنعقد مؤخرًا ببوزنيقة.

هذا التلاقي الزمني والمهني يعيد مهنة المحاماة إلى صدارة المشهد الحقوقي، باعتبارها مهنةً لصيقة بالدفاع عن الحريات، متجذّرة في معركة ترسيخ دولة الحق والقانون، ومحايثة لمختلف تجليات الظلم والانتهاك، سواء داخل ردهات المحاكم أو في الفضاء العمومي.

بقلم: زهير أصدور
رئيس مؤسسة عيون لحقوق الإنسان

ليست هذه العودة وليدة ظرف عابر، بل هي امتداد لعقود من الانخراط الواعي للمحاميات والمحامين في المعركة الحقوقية بالمغرب، منذ بواكير التأسيس الأول للحركة الحقوقية في السبعينيات، مرورًا بسنوات الرصاص، ووصولًا إلى محطات ما بعد الإنصاف والمصالحة. فقد شكّل المحامون دائمًا رافعة أساسية في فضح الخروقات، ومرافقة الضحايا، والمساهمة في إنتاج خطاب قانوني مقاوم للانتهاك.
تعود هذه المكانة إلى ما تختزنه مهنة المحاماة من مؤهلات مهنية ومعرفية ومبدئية، تجعلها قادرة على التفاعل مع القضايا الحقوقية من زوايا متعددة: قانونية، مؤسساتية، ميدانية، وأخلاقية.

تأتي هذه التحولات القيادية في سياق يتسم بتركيز متزايد على ضرورة احترام الحقوق والحريات، كما نص عليها دستور المملكة لسنة 2011، الذي بوأ المنظومة الدولية لحقوق الإنسان مكانة عليا، حيث نص في تصديره على التزام المغرب بـ”حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس، أو اللون، أو المعتقد، أو الثقافة، أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي، أو اللغة، أو الإعاقة، أو أي وضع شخصي، مهما كان”.
كما أن المغرب طرف في معظم الاتفاقيات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وغيرها. وهذا يُرتّب على الفاعلين الحقوقيين مسؤولية مزدوجة: مراقبة مدى التزام الدولة بتعهداتها الدولية، والعمل على نشر ثقافة الحقوق داخل المجتمع.

المنظمة المغربية لحقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان ليستا مجرد جمعيتين كبريين بحكم تاريخهما وامتدادهما، بل هما مدرستان حقوقيتان لهما مرجعيات منهجية وفكرية مختلفة، لكنهما تلتقيان في الدفاع عن الكرامة الإنسانية وحرية الرأي والتعبير والعدالة الاجتماعية.
انتخاب الأستاذ نوفل بوعمري، المعروف بنفَسه الوحدوي، وحرصه على ربط النضال الحقوقي بالحوار المؤسساتي، سيمنح المنظمة دينامية جديدة في التعاطي مع قضايا الساعة. كما أن تولي الأستاذة سعاد لبراهمة، ذات المسار الطويل في الدفاع عن المعتقلين السياسيين وقضايا المرأة وحرية التعبير، يعكس عودة الصوت الجذري داخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في سياق يحتاج إلى وضوح الخطاب ومبدئية المواقف.

إن عودة المحاماة إلى قيادة العمل الحقوقي ليست فقط عنوانًا للثقة في مهنية واستقلالية هذه الفئة، بل تعبير عن الحاجة إلى خطاب حقوقي يزاوج بين الحجية القانونية والالتزام المبدئي. وبينما يواجه المغرب اليوم تحديات متعددة في مجال الحقوق والحريات، فإن هذا المسار الجديد يبعث على الأمل في إحياء روح النضال الحقوقي القوي، الجاد، والمنفتح على التحالفات المجتمعية والمؤسساتية.

وبهاته المناسبة، نتقدّم بتهانينا الخالصة إلى كل من الأستاذ نوفل بوعمري والأستاذة سعاد لبراهمة، على الثقة التي حظيا بها من مناضلي ومناضلات جمعيتيهما. وكلنا أمل في أن تكون ولايتهما دافعًا حقيقيًا لتوسيع فضاء الحقوق والحريات، وترسيخ ثقافة الكرامة والمساءلة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button