
الحدث الافريقي-طاهر أبو زيد- غزة
تتفاقم أزمة الجوع في قطاع غزة بشكل غير مسبوق، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي باتباع سياسة تجويع ممنهجة تهدف إلى إخضاع السكان وفرض الإرادة السياسية بالقوة، وسط تحذيرات متزايدة من منظمات إنسانية دولية من كارثة إنسانية وشيكة قد تخرج عن السيطرة.
منذ مطلع مارس، يواصل الاحتلال إغلاق جميع المعابر الرئيسية المؤدية إلى القطاع، ويمنع دخول المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية، في وقت يفرض فيه سيطرة عسكرية كاملة على معظم الأراضي الزراعية، ما تسبب في شح حاد بالخضار والمنتجات الأساسية، وانعدام شبه تام للمواد التموينية.
فوضى مفتعلة ومساعدات محدودة
بعد أكثر من 80 يومًا من الإغلاق الكامل للمعابر، سمح الاحتلال بدخول عدد محدود من شاحنات الإغاثة المحملة بالمواد الغذائية، لكن بطريقة مدروسة تهدف إلى إعاقة وصولها الآمن والمنتظم.٨
أُجبرت الشاحنات على المرور بمسارات غير آمنة تمر بمناطق مصنفة “حمراء” تخضع لسيطرة الاحتلال، حيث تنشط عصابات مسلحة وقطاع طرق يُسمح لهم ضمنيًا بالاعتداء على الشاحنات ونهب حمولتها دون حماية تُذكر.
هذا الواقع خلق فوضى أمنية متعمدة تُعيق عمل المؤسسات الإغاثية، وتفاقم معاناة المدنيين في المناطق المنكوبة، في محاولة لفرض آليات توزيع تخدم أجندة الاحتلال، وخلق انطباع بأن إدخال المساعدات دون “إشراف إسرائيلي” يؤدي إلى الفوضى والانهيار.
ورغم ذلك، فإن الكميات التي دخلت لا تكفي، إذ يعيش أكثر من مليوني إنسان تحت تهديد المجاعة.
وأكدت مؤسسة “أطباء حول العالم” في بيان لها: “الوضع في غزة كارثي، والمساعدات التي تدخل لا تغطي سوى أقل من 5% من الاحتياجات اليومية، خاصة في ظل الانهيار الكامل للمنظومة الصحية والغذائية.”
خطة إسرائيلية–أمريكية لتوزيع المساعدات
يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى فرض آلية جديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية، تقوم على إنشاء مناطق محددة تُوزَّع فيها المساعدات لسكان غزة مرة واحدة أسبوعيًا، تحت إشراف شركات أمريكية خاصة، بذريعة منع وصولها إلى حركة “حماس”، وفي محاولة لفرض وقائع ميدانية جديدة.
في هذا السياق، أعلن مكتب الإعلام الحكومي في غزة رفضه القاطع لهذه الآلية، واعتبرها محاولة مكشوفة لفرض سياسات ميدانية تمهّد لتدويل الإشراف على قطاع غزة وتجاوز المؤسسات الفلسطينية الرسمية.
وأكد أن أي آلية لا تقوم على تنسيق كامل مع الجهات الفلسطينية والدولية المعنية مصيرها الفشل، وستُواجَه برفض شعبي ومؤسساتي واسع.
من جهتها، أبدت عدة منظمات دولية، بينها برنامج الأغذية العالمي والصليب الأحمر، تحفظها على هذه الآلية، معتبرة أنها تفتقر إلى معايير السلامة والمساءلة، وتُضعف ثقة السكان المحليين بفعالية المساعدات.
كما حذّرت من أن تجاوز المؤسسات الإنسانية الشريكة في غزة يُقوّض قدرة المساعدات على الوصول للفئات الأشد احتياجًا، ويجعل عملية التوزيع عرضة للفوضى وسوء الإدارة.
شهادات من واقع الجوع
تروي الحاجة أم خالد (63 عامًا) من شمال غزة: “لم نأكل الخبز منذ أيام. نطهو ما تبقى من الأرز بدون خبز، ونوزعه بين الأطفال أولاً. حتى الملح مفقود، وأصبح الخبز حلمًا بعيدًا”.
أما الشاب محمود حميد (27 عامًا)، فيقول: “كنا نعيش على الطحين القادم من الأونروا، والآن لا طحين ولا أونروا. بعض الناس طحنوا العدس أو المعكرونة لصنع الخبز، لكن هذا لا يكفي، الناس بدأت تنهار حرفيًا من الجوع”.
يقول الناشط الحقوقي أحمد قديح من خان يونس: “أصبح تأمين ربطة خبز لعائلة مكونة من خمسة أشخاص حلمًا يوميًا، والأسواق شبه خالية من الخضار.
الاحتلال يحاصرنا حتى في لقمة العيش
ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل سياسة تجويع ممنهجة ضمن استراتيجية عسكرية إسرائيلية تهدف إلى كسر إرادة الفلسطينيين وإخضاعهم بالقوة، في ظل صمت دولي مريب وتواطؤ عالمي يتجاهل حجم الكارثة المتفاقمة.وبينما يواجه أكثر من مليوني إنسان خطر المجاعة الحقيقي، تبقى مبادرات وقف الحرب الطاحنة حبيسة الجمود، دون أفق واضح لإنهاء المعاناة.



