عائشة لغزاوي..من قصور فاس إلى قلب السلطة المغربية عبر وزارتين

في خمسينيات القرن الماضي،كانت مدينة فاس تعرف جيدا اسم محمد لغزاوي رجل الأعمال الثري وصاحب شركة الحافلات الشهيرة،والذي عرف بولعه بالسيارات الفارهة وكرمه في تمويل رواتب بعض رجال الأمن من ماله الخاص في السنوات الأولى لاستقلال المغرب.لغزاوي لم يكن مجرد رجل أعمال،بل شخصية نافذة في حزب الاستقلال وصاحب شبكة علاقات واسعة وصلت إلى القصر الملكي.
وفق شهادة ضابط المخابرات السابق أحمد البخاري،عاش لغزاوي في الولايات المتحدة حتى عام 1955 حاملا ثلاث جنسيات (المغربية-الأمريكية والفرنسية) فعاد ليصبح أغنى مدير عام في تاريخ الأمن الوطني بثروة قدرت بثمانية أضعاف ثروة الأسرة الملكية آنذاك،مصدرها استثمارات في أمريكا-إنجلترا وفرنسا وودائع بمليارات في البنوك الأجنبية خاصة السويسرية.
شغل لغزاوي لاحقا وزارة الصناعة العصرية-المناجم-السياحة والصناعة التقليدية،إضافة إلى مناصب دبلوماسية ورئاسة المكتب الشريف للفوسفاط،لكنه ظل في أذهان الناس مرتبطا بحافلاته التي جابت شوارع المغرب.
زواج يربط فاس بسلا الرباط وآسفي
وسط هذه الأجواء،نشأت عائشة لغزاوي التي عرفت بجمالها وثقافتها الواسعة وأناقتها اللافتة،كانت مقربة من القصر الملكي بحكم علاقة والدها الوطيدة بالملك محمد الخامس،مما جعلها ضيفة دائمة على أنشطة القصر.
تزوجت عائشة أولا من عبد الرحمان بنعبد العالي،وزير الأشغال العمومية في حكومة 1958 وهو من عائلة سياسية معروفة في سلا. ومن هذه الزيجة،أنجبت ابنتها مليكة التي ستصبح لاحقا زوجة الأمير مولاي هشام،ابن عم الملك محمد السادس. هذا الارتباط العائلي جعل مليكة حلقة وصل بين الأمير وعزيز أخنوش،باعتبار أن والدة أخنوش هي شقيقة الوزير بنعبد العالي،ما عزز الروابط بين العائلتين على الصعيدين العائلي والسياسي.
من أرملة وزير إلى زوجة وزير آخر
بعد وفاة زوجها الأول،ارتبطت عائشة لغزاوي بـ أحمد الطيب بنهيمةالسفير السابق في الولايات المتحدة ووزير الأنباء والخارجية وأحد أبرز الشخصيات السياسية المغربية في السبعينيات.
بنهيمة الذي ولد في آسفي سنة 1927 ودرس في المغرب وفرنسا ونيويورك عرف بانفتاحه وكاريزمته،وارتبط اسمه بشكل خاص بالمسيرة الخضراء سنة 1975،حيث تولى الإشراف الإعلامي والسياسي عليها وقاد المفاوضات المعقدة مع إسبانيا ،نسق العمل اللوجستيكي والإعلامي مبهرا الصحافيين بإتقانه للعربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية.
توفي أحمد الطيب بنهيمة في باريس يوم 25 دجنبر 1980 تاركا وراءه مسارا حافلا في السياسة والدبلوماسية.
امرأة في قلب التاريخ السياسي المغربي
تختصر حياة عائشة لغزاوي ملامح مرحلة كاملة من تاريخ المغرب،حيث تداخلت المصالح العائلية والسياسية في شبكة من العلاقات الممتدة بين فاس -سلا -الرباط وآسفي،فربطت بين دوائر المال والسياسة والقصر الملكي.فقد جمعت بين كونها ابنة أغنى مدير أمن في تاريخ المغرب وزوجة وزيرين بارزين،وأما لشخصية أصبحت جزءا من العائلة الملكية.
المصاهرة السياسية كأداة لتشكيل النخبة
تكشف قصة عائشة لغزاوي عن الدور البارز لشبكات المصاهرة في تكوين النخبة السياسية والاقتصادية بالمغرب بعد الاستقلال. فالعائلات التي جمعت بين الثروة والنفوذ السياسي،سعت إلى تعزيز مواقعها عبر الارتباط بعائلات أخرى ذات حضور قوي في الدولة أو قرب من القصر الملكي.
في حالة لغزاوي،مثل الزواج الأول من عبد الرحمان بنعبد العالي اندماجا بين عائلة أمنية واقتصادية نافذة وعائلة سياسية راسخة في سلا،وهو ما أوجد امتدادا لهذه الشبكة داخل محيط السلطة. أما الزواج الثاني من أحمد الطيب بنهيمة،فقد أضاف بعدا دبلوماسيا وإستراتيجيا بالنظر إلى دوره في ملفات حساسة مثل المسيرة الخضراء والعلاقات الخارجية للمغرب.
هذه الزيجات لم تكن مجرد ارتباطات اجتماعية،بل كانت بمثابة “تحالفات ناعمة” ضمنت استمرار التأثير السياسي والاقتصادي للعائلات المعنية عبر أجيال متعاقبة،مما جعل النفوذ في المغرب آنذاك يبنى ويورث بقدر ما يتشكل عبر الإنجازات الرسمية



