أخبارالرئيسيةسياسة

الصحافي البوسرغيني يحكي القصة التي أطاحت برئيس بلدية القنيطرة

تتحرك الذاكرة أحيانا لتلح على المرء وتدفعه إلى قول ما يجب عليه أن يقوله أو يكتبه لما له من أهمية بالنسبة للحياة السياسية الوطنية. ويحدث أن يملي التاريخ على الكاتب تقديم شهادته على الأحداث لتكون حجة على الناس أو حجة لهم .

ما أحكيه اليوم يعود تاريخه إلى العقد الثامن من القرن الماضي سجلته الذاكرة عندما كنت أشتغل في صحيفة ” رسالة الأمة ” لسان حزب الاتحاد الدستوري .

ففي زيارة أحد أطر الحزب للجريدة قصدني وهو مزهو بما حققه من نجاح في إنقاذ مشروع لفائدة جزء من سكان مدينة القنيطرة ، بعد أن تسلم مهام تدبير شؤون المدينة كرئيس للمجلس البلدي المنتخب ، وقال لي : أريدك أن تصاحبني الى القنيطرة لتقدم لقراء الجريدة ما يمكن اعتباره فوزا في إنقاذ مشروع تحويل أحد أوكار مدن الصفيح الى حي سكني يحفظ للناس كرامتهم.

كان هذا الرجل وهو الدكتور محمد الراصفي عضوا في قيادة الحزب الحديث النشأة الذي استطاع أن يكتسح الساحة السياسية ، مما دفع أحد الصحفيين اللامعين ، وأظن أنه الزميل والمناضل المرحوم عبد اللطيف جبرو، الى إطلاق وصف “كوكوت مينوت ” على هذا الحزب ، لأنه استطاع في ظرف وجيز أن يطبخ وليمته السياسية ، فاستحق بتلك الوجبة الدسمة التي طبختها الإدارة ، أن يتصدر الساحة السياسية والتمثيلية على الصعيد الوطني والإقليمي والمحلي. وبذلك استطاع قادته وأطره و” مناضلون ” أيضا المنتقمون إليه الفوز بمناصب سامية لتدبير الشؤون العامة.

بقلم/ عبد السلام البوسرغيني

لم يكن كل مناضلي هذا الحزب وصوليين أو انتهازيين ، بل كان من بينهم نخبة أراد أفرادها أن يتيح لهم انتماؤهم للحزب الأغلبي ، المساهمة في معالجة الأوضاع الصعبة اقتصاديا واجتماعياً الناتجة في جزء منها عن سوء التدبير ، كما ترتب جزء كبير منها عما كان ينفقه المغرب في تلك الظروف الصعبة من أموال ، إلى جانب ما قدمه من تضحيات من أجل تكريس وحدته الترابية المسترجعة ، وهو يواجه الهجمة الشرسة التي شنها عليه وما يزال النظام الحاكم في الجزائر، أملا من رجاله الطامعين في أن يحققوا لأنفسهم مخطط فرض الهيمنة الجزائرية على المنطقة المغاربية ، ليتصرف دهاقنة هذا النظام بما يمكن الجزائر من الحصول على مكاسب اقتصادية واستراتيجية بدت لهم أنها في متناول اليد ، نظرا لما كان للجزائر من أمكانيات مادية ولما كانت تتمتع به من نفوذ إقليمي ودولي ، ولكنهم استهانوا بقدرة المغرب على المواجهة بقيادة رجل برهن عن حسن القيادة .

محطة القطار – القنيطرة

كان صاحبنا الدكتور الراصفي ضمن تلك النخبة من أعضاء الحزب الحديث النشأة ، ولقد عرفت من بعد أنه كان من أطر وزارة الداخلية وأنه دكتور في الاقتصاد ، وبدا من بعد أنه لم يكن من العناصر النافذة في هذه الوزارة التي كانت توصف بأنها أم الوزارات .

وفي إحدى الاجتماعات الدورية لحزب الإتحاد الدستوري قدم عرضا عن الأوضاع الاقتصادية في المغرب ، كما كانت تبدو له وكما عليه بالفعل ، فلم تتح له الفرصة لإنهاءعرضه اذ أوقفته قيادة الحزب حتى لا يستمر في تقديم الصورة القاتمة التي تعكس ما كان يعاني منه الاقتصاد الوطني من مشاكل ، ذلك أن النكسات التي تعرض لها أفقدته ثقة المؤسسات الائتمانية الدولية فأصبح المغرب عاجزا حتى على الحصول على ضمان لقروضه.

ولقد وجدت الدولة نفسها حينئذ مرغمة على اللجوء إلى ذلك الاختيار الصعب والمكلف الذي تفرضه المؤسسات التمويلية الدولية على الاقتراض ، أي التقتير على القطاعات الاجتماعية وفي مقدمتها التعليم والصحة . ولقد كان من مضاعفات ذلك التقتير أن الازمة تحولت إلى غضب شعبي عبرت عنه المظاهرات الخطيرة التي جرت سنة ١٩٨٤ في جهات كثيرة وكانت أخطرها تلك التي حدثت في مراكش والحسيمة . وقد سجلها التاريخ كإحدى أخطر الهزات السياسية التي عرفها المغرب منذ استقلاله ، إذا ما استثنينا أحداث الريف سنة ١٩٥٨ ، لما خلفته من ضحايا وندوب كان من الصعب تضميدها .

وكم كان المغرب آنذاك في حاجة إلى رجال يعرفون كيف يواجهون العاصفة ويعالجون الأزمات .

لم أكن قد تتبعت مسار صاحب قصتنا لأعرف هل أتيحت له الفرصة ، وهو الخبير الاقتصادي المتخصص في التخطيط والإطار في وزارة الداخلية ، للمساهمة في ما حدث من تطورفي تدبير الشؤون العامة ، مما جعل مسيرة التنمية تجدد أساليبها للتخفيف من الإنعكاسات الاقتصادية المتدهورة التي واجهت البلاد في أواخر القرن الماضي وشبهها المغفور له الحسن الثاني بالسكتة القلبية .

إن في الإمكان الآن القول بأن أشياء كثيرة تغيرت بين العقد الثامن من القرن الماضي ودخولنا في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين .ففي هذا العهد ، عهد جلالة الملك محمد السادس شهدنا كثيرا من التغيير ، لا فقط في مجال تدبير الشؤون العامة ، بل وفي العقليات نتيجة عدة عوامل ، أهمها في نظري عاملين إثنين :

العامل الأول: القيادة الجادة والصارمة والمتبصرة التي يقود بها جلالة الملك محمد السادس مبدع مخططات التنمية ، من المخطط الأخضر الذي تحول إلى الجيل الأخضر بعد أن استنفذ أغراضه ، إلى مخطط اليوتيس لاستغلال ثروات البحار بشكل عقلاني ، والى المخطط الصناعي وغيره ، ناهيك عن المنجزات الهامة في مجال البنيات والتجهيزات الأساسية وما أكثرها ٠

والعامل الثاني: يتمثل في دخول أفواج من الشباب المتكون والطموح إلى معترك الحياة وهم مزودين بما اكتسبوه من العلوم والمعرفة ٠

لقد شط بي قلمي ، ولكن لن اتركه يبعدني عن قصة الرجل الذي كنت بصدد الحديث عن تجربته ، وهي قصة تكشف خلفياتها عن سلوك رجال كانوا على رأس بعض الإدارات السامية أساؤوا الى الدولة وإلى البلاد بتكالبهم واستغلالهم لوظائفهم للكسب الحرام دون أن يكونوا قد تعرضوا للمحاسبة ، وقصة صاحبنا كما حكاها لي هي كما يلي :

عندما تسلم دكتورنا محمد الجاسيفي (العذر إذا كان قد وقع تحريف في الإسم ) المتخصص في الاقتصاد مهام رئاسة المجلس البلدي لمدينة القنيطرة ، عثر على ملف يتعلق بقرض أو هبة من البنك العالمي للإنشاء والتعمير يستهدف تحويل حي صبيحي إلى حي بمساكن تليق بكرامة الإنسان ، ووجد أن أجل سحب التعاقد مع البنك سيحل بعد مدة قصيرة ، وأن المدينة يتفقد الإستفادة من القرض إذا لم تنجز ما يتطلبه العقد المبرم ،أي الشروع في أنجاز البنيات الأساسية للحي من شق الأزقة والشوارع ومد أنابيب صرف المياه العادمة وغير ذلك من الأشغال . وقد سارع صاحبنا إلى الاتصال بالجهة المعنية بالبنك العالمي ليطلب مهلة إضافية وتمديد فترة الإستفادة من الأموال المرصودة للمشروع ، على أمل تعبئة إمكانيات المدينة لإنجاز الأشغال الضرورية .

أخذني صاحبي معه إلى القنيطرة وأنجزت استطلاعا صحفيا عن المشروع السكني بكل ما عرفه من تطور دون أن ننتبه للخلفيات التي تكتنف أو تعقب ما سننشره ٠ وبعد فترة وجيزة زارني ليحكي لي عما تعرض له من مضايقات من الإدارة الإقليمية ومن العامل بالذات ، ذهبت إلى حد مطالبته بأفراغ سكنه المملوك للبلدية ، ومن تكالب من أعضاء المجلس البلدي الذين تم تأليبهم ضده .

ولقد أقترحت عليه أنجاز استطلاع جديد نشير فيه إلى دور عامل الأقليم في أحياء المشروح والعمل على إنجازه ٠ لكن لم يكن ما انجزناه وما قلناه في حق السيد العامل حمودة القايد ليغفر لصاحبنا ما سبق أن كشف عنه من أهمال المسؤولين الأقليميين للمشروع ، وهو أهمال قدم صورة سيئة عن الإدارة المغربية ، وتطور الأمر ألى تأليب أعضاء المجلس البلدي ضد رئيسهم بالتالي إلى الإطاحة به وأبعاده عن الرئاسة .

ولقد كانت الخلاصة التي توصلت إليها توحي بأن عامل الإقليم ربما وجهت إليه انتقادات ، إن لم يكن قد توصل بتأنيب على إهماله لملف تم التعاقد بشأنه مع مؤسسة دولية ، على غرار الإهمال التي كانت تتعرض له العديد من الملفات وهوالأمر الذي كان يعطي صورة سيئةعن تعامل المسؤولين المغاربة مع المنظمات الدولية .

لم أكن قد عرفت ما حدث بعد ذلك ، ولكن مبادرة صاحب قصتنا كانت قد أعطت ثمارها ، وفي نفس الوقت كشفت ماكان يسود من فساد في إدارة شؤون البلاد

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button