سقوط أخلاقي داخل المجلس العلمي بخنيفرة

لم يكن ما جرى داخل المجلس العلمي المحلي بخنيفرة مجرد “سوء تدبير إداري” كما حاول البعض تصويره، بل واقعة تهز الثقة في المؤسسات الدينية الرسمية وتكشف عن اختلالات عميقة تمس جوهر ما يفترض أن تمثله هذه المؤسسات من قيم النزاهة والورع والمسؤولية.
فقد أصدرت المحكمة الابتدائية بخنيفرة حكما بإدانة رئيس المجلس العلمي المحلي بثلاثة أشهر حبسا موقوف التنفيذ وغرامة مالية على خلفية تورطه في تزوير نتائج اختبارات الإمامة والخطابة والأذان وهي امتحانات تعد من أكثر المساطر حساسية لأنها تحدد من يؤتمن على المنبر والخطاب الديني داخل بيوت الله.
هذه القضية التي فجرها العضو لم تكن تصفية حسابات كما ادعت بعض الأصوات،بل كشفت تحقيقات القضاء عن تلاعب ممنهج في محاضر رسمية وتدخلات هدفت إلى طمس الحقائق بل وتأخير متعمد في إحالة الملفات على المجلس العلمي الأعلى لتفادي المساءلة.
وهنا تتوسع دائرة المسؤولية لتشمل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية نفسها ،التي ترفع شعار “ترسيخ قيم النزاهة في التدبير الديني” لكنها عجزت عن مراقبة المجالس التابعة لها.
فكيف يعقل أن يطلب من الأئمة والخطباء أن يكونوا قدوة في الصدق والورع، فيما الإدارة التي تشرف عليهم تمارس التزوير والمحاباة ؟
وأين هي لجان التفتيش والمراقبة التي تتحدث عنها الوزارة في تقاريرها السنوية؟
ما وقع في خنيفرة ليس استثناء بل هو عرض لمرض مزمن داخل المنظومة الدينية الرسمية التي باتت في بعض الحالات أسيرة الولاءات الحزبية والعائلية والشخصية. والمفارقة أن الامتحانات التي كان يفترض أن تكون معيارا للكفاءة والجدارة، تحولت إلى مجال للتلاعب في النتائج وتوزيع المناصب حسب القرب والرضى.
المسؤولية الأخلاقية والسياسية الآن تقع على عاتق الوزير أحمد التوفيق، الذي لم يعد يكفيه الاكتفاء ببيانات التطمين بل مطالب باتخاذ موقف حازم وشفاف إما بفتح تحقيق موسع يشمل المجالس العلمية كافة أو بتقديم استقالته احتراما لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي أكد عليه الملك في أكثر من مناسبة.
فالتستر على هذه الفضيحة ليس فقط تواطؤا مع الفساد، بل هو تطبيع معه باسم الدين وهو ما يشكل خطرا أكبر من الفساد نفسه، لأنه يلبس الباطل لباس القداسة.
إن بيوت الله يجب أن تبقى فضاء للحق والعدل والصفاء ،لا ساحة للتلاعب والتزكية الزبونية.
لقد آن الأوان لإعادة النظر في طريقة تدبير الشأن الديني المحلي ورفع الغطاء عن المجالس العلمية التي باتت تحتاج إلى تطهير شامل وإصلاح جذري يعيد إليها الثقة والمصداقية ويجعلها بالفعل منارات للهداية لا مؤسسات تدار بالحسابات الضيقة.
فالدين في المغرب لم يكن يوما سلطة فوق المحاسبة، بل ضميرا حيا للأمة، ولن يستعيد هذا الدور إلا حين تنتصر مؤسساته للحق على الولاء وللقيم على المصالح.



