الملك محمد السادس قائد معركة السيادة والديبلوماسية

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي
قد يظن البعض أن ما وصل إليه المغرب اليوم من تثبيت لخيار الحكم الذاتي في أقاليمه الجنوبية، وما ناله من تأييد دولي واسع داخل مجلس الأمن، كان منحة جاءت بلا تعب، أو نتيجة ظرف عابر ساعدته الأقدار فيه. غير أن المطلع على دهاليز القانون الدولي، وعلى مسارات العلاقات الدبلوماسية، يدرك أن لا مكسب في السياسة يتحقق بالصدفة، ولا انتصار على طاولة الأمم ينال بالقفز على التاريخ أو تجاوز حقائق الجغرافيا، وإنما ثمرة صبر واستراتيجية وتراكم وتبصر.
منذ اعتلائه العرش، جعل الملك محمد السادس نصره الله قضية الصحراء جوهر المشروع الوطني، وعمقًا ثابتًا في بنية القرار السياسي للمملكة، فحمل الملف بدماثة حكيم، وصبر رجل دولة، وعزم قائد يعرف أن معارك السيادة لا تُخاض بالاندفاع وحده، ولا بالتراجع، وإنما بموازنة دقيقة بين الصمود والمبادرة، بين الحزم في المواقف ومد اليد لمن اختار الحوار سبيلًا. فقد كانت رؤية المغرب في هذا النزاع أن السيادة لا تُساوَم، وأن الوحدة الترابية ليست رأيًا سياسيًا بل قدر تاريخي وهوية وحق ممتد في الزمن والجغرافيا.
بهذه الروح انطلقت الدبلوماسية المغربية، تتدرج بإيقاع متزن وبخطى ثابتة، تعيد بناء الثقة، وتنسج التحالفات، وتعيد تموقع المملكة في محيطها الإقليمي والقاري والدولي. دخل المغرب إفريقيا من باب التنمية والشراكة لا من بوابة الشعارات، وأعاد تنظيم حضوره في الفضاءات الدولية بقوة الحجة وذكاء الموقع، فكان لكل زيارة ملكية ثِقلها، ولكل مبادرة دبلوماسية أثرها العميق.
وفي الداخل، لم يكتف المغرب بالخطاب السياسي، بل نقل الصحراء من صحراء قاحلة إلى نموذج تنموي رائد، من بنى تحتية وطرق وموانئ واستثمارات ومشاريع اجتماعية واقتصادية جعلت من الأقاليم الجنوبية قطبًا صاعدًا يربط المغرب بإفريقيا ويرسم ملامح مستقبل مشترك للمنطقة. بهذا الواقع الملموس اكتسب المغرب قوة إضافية في المرافعة أمام العالم: قوة الإنجاز على الأرض، لا مجرد قوة الموقف.
لم تكن ست وعشرون سنة سهلة في عالم يتغير كل يوم، ومعادلات دولية تتحرك بتناقضات المصالح وتبادل النفوذ، لكن القيادة الهادئة الحكيمة حققت ما يشبه المستحيل: تحويل نزاع عمره عقود إلى نموذج يُشاد به في أروقة الأمم المتحدة، وإلى حلّ واقعي يحظى بالقبول الدولي باعتباره خيارًا جادًا ومتينًا ومستقبلًا واعدًا للمنطقة.
واليوم، ومع تتالي القرارات الأممية المؤيدة لخيار الحكم الذاتي، ومع تزايد الاعترافات الدولية وفتح القنصليات في العيون والداخلة، ومع إشادة القوى الكبرى بالحل المغربي، تبدو ثمار السياسة الهادئة، الصبورة، المتزنة قد أينعت. لقد أثبت المغرب أن الدبلوماسية الهادئة لا تعني التراجع، وأن التسامح لا يلغيه الحزم، وأن الدفاع عن الحق لا يكون بالصوت المرتفع بل بالمنطق الراجح والبناء القائم والعمل الميداني.
هكذا صان الملك محمد السادس وحدة التراب، وهكذا كسب المغرب احترام العالم، وهكذا وصلت المملكة إلى لحظة تاريخية عنوانها سيادة وطنية راسخة، ومكانة دولية متميزة، وخيار حضاري ينشد السلام ويرسّخ الاستقرار ويؤسس لمستقبل تنموي مشترك بين الشعوب. فالمجد لمن صبر واجتهد، والتحية لمن قاد الوطن بروح البناء لا روح الصدام، والتهنئة لكل مغربي غيور يرى راية بلاده تعلو بثبات في فضاء الأمم وتكتب صفحة جديدة من صفحات المجد الوطني.



