Hot eventsأخبارأخبار سريعةالحكومةقضاء وقانون

ضريبة الثروة في المغرب.. غياب العدالة الجبائية وتكريس الفوارق الطبقية


في وقت تتسع فيه الهوة بين الطبقات الاجتماعية في المغرب،عاد النقاش حول “ضريبة الثروة” إلى الواجهة بعد إعلان وزارة الاقتصاد والمالية موقفها الرسمي الرافض لتطبيقها في المرحلة الحالية بحجة تعقيدات تقنية وإجرائية تتعلق بتحديد الثروة وتقييمها. غير أن هذا التبرير أعاد إلى الأذهان سؤالا أعمق حول مدى استعداد الدولة لترجمة شعارات العدالة الجبائية إلى إجراءات فعلية تمس الفئات الميسورة قبل الطبقات المتوسطة والفقيرة.

وبينما كان المنتظر أن تدرج ضريبة الثروة ضمن مضامين القانون الإطار للإصلاح الجبائي الذي صودق عليه عام 2021 باعتباره خطوة نحو نظام ضريبي أكثر إنصافا، تبين أن النص اكتفى بالإشارة إلى الضريبة على الدخل الإجمالي للأشخاص الذاتيين دون أي إشارة صريحة إلى ضريبة على الثروة أو الممتلكات الكبرى.
وهو ما يراه خبراء الاقتصاد تراجعا عن التوجهات الإصلاحية التي نص عليها النموذج التنموي الجديد الداعي إلى تقاسم عادل للأعباء والفرص.

تبريرات حكومية مثيرة للجدل
وزارة الاقتصاد بررت موقفها بصعوبة إحصاء الثروات الفردية وتقييم الأصول العقارية والمالية داخل وخارج البلاد،محذرة من احتمال هروب رؤوس الأموال أو تراجع الاستثمارات.غير أن منتقدين يرون في هذا الخطاب “تخويفا ممنهجا” يهدف إلى حماية مصالح كبار المستثمرين والمغتربين،بدل البحث عن آليات فعالة لتضييق الفوارق الاجتماعية.

ويؤكد خبراء في المالية العمومية أن المغرب يمتلك الإمكانيات التقنية لتطبيق ضريبة الثروة بشكل تدريجي من خلال ربطها بأنظمة التصريح الإجباري بالممتلكات واعتماد آليات رقمية للشفافية الجبائية،بدل الاكتفاء بتبريرات الهشاشة الإجرائية التي تخدم في النهاية الفئات الأكثر غنى.

ضريبة الفقراء بدل ضريبة الأغنياء
ورغم أن الحكومة تتحدث باستمرار عن توسيع الوعاء الضريبي،فإن الواقع يظهر أن العبء الضريبي الأكبر ما زال يتحمله المواطنون العاديون،سواء عبر الضرائب غير المباشرة (كالضريبة على القيمة المضافة) أو ارتفاع الأسعار الناتج عن السياسات الضريبية نفسها.
في المقابل تظل فئات من كبار الأثرياء والمستثمرين والمغتربين خارج دائرة المراقبة الفعلية بسبب ثغرات قانونية أو ضعف في التنسيق بين الإدارات المالية.

ويعتبر باحثون في السياسات الاقتصادية أن غياب ضريبة الثروة يعني عمليا ترسيخ اللامساواة الضريبية حيث يساهم الموظفون والطبقة الوسطى في تمويل الميزانية العامة بنسبة تفوق مساهمة الفئات الثرية التي تستفيد أكثر من بنية الاقتصاد الوطني.

العدالة الجبائية رهان الإصلاح الحقيقي

يرى محللون أن تحقيق العدالة الجبائية يتطلب إرادة سياسية حقيقية وليس فقط تعديلات تقنية في القوانين.فالمغرب الذي تبنى منذ سنوات خطاب الدولة الاجتماعية يحتاج إلى ترجمة هذا التوجه من خلال توزيع منصف للعبء الضريبي وربط الضرائب بمستوى الدخل والثروة لا بمستوى الاستهلاك فقط.
كما أن تجربة عدد من الدول الإفريقية والعربية،مثل جنوب إفريقيا وموريتانيا تظهر أن تطبيق ضريبة الثروة بشكل تدريجي ومحدود يمكن أن يعزز موارد الدولة دون المساس بجاذبية الاستثمار.

في ظل استمرار تردد الحكومة في إقرار ضريبة الثروة،يبدو أن الإصلاح الجبائي في المغرب يسير بخطى متباطئة لا تمس جوهر العدالة الاقتصادية. فحين تعفى الثروات الكبرى وتثقل كاهل الطبقات الوسطى بالضرائب،تتحول العدالة الجبائية إلى شعار بلا مضمون وتظل التنمية الاجتماعية رهينة حسابات سياسية واقتصادية ضيقة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button