عيد الوحدة إبداع ملك ونبض شعب

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي
قد يفتح الله للعبد أبوابًا دون أن يطرقها، ويهيئ له جندًا لا يرى منهم إلا أثرهم، فييسّر له السبل، ويرفع ذكره، ويحيط خطاه بالعناية والرعاية، ويكتب على جبينه نصرة ممن يملك مقاليد الخلق والأمر. ولعلّ من أصدق صور العون الرباني ما يعيشه المغرب اليوم تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وسدده، إذ تتلاقى الحكمة السياسية مع التقدير الدولي، وتلتقي الدبلوماسية الهادئة مع إرادة شعب آمن بعدالة قضيته ووحدة وطنه.
وفي مشهد تاريخي غير مسبوق، وقفت أعظم قوى العالم احترامًا لهذا المسار، فجاء الاعتراف الأمريكي بسيادة المملكة على صحرائها، في عهد الرئيس دونالد ترامب، ليكون بمثابة زلزال سياسي قلب حسابات الخصوم وثبّت الحقيقة على خرائط الجغرافيا والشرعية الدولية. وما كان ذلك إلا ثمرة رؤية ملكية ثابتة، ودبلوماسية متزنة، وثقة راسخة بعدالة حق لا تقوى الروايات المصطنعة على حجبه.
وتوالت الاعترافات الدولية من مشارق الأرض ومغاربها، وجاءت قرارات مجلس الأمن مؤكدةَ حتمية الحل السياسي الواقعي المبني على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وصولًا إلى القرار 2797 بتاريخ 31 أكتوبر، قرار تاريخي يعكس الإجماع الدولي المتنامي، ويخلّد لحظة فاصلة في مسار استكمال وحدة الوطن.
تاريخٌ يصنع على هدى من الله، وعلى خُطى ملوك جسّدوا معنى التفاني في حماية الوطن:
من محمد الخامس محرّر البلاد، إلى الحسن الثاني مهندس المسيرة الخضراء، إلى محمد السادس مبدع الوحدة المعزّزة بالعلاقات الدولية والنهضة الاقتصادية والقانونية والديبلوماسية الهادئة ذات النفس الطويل.
وإذا كانت ثورة الملك والشعب عيدًا خالدًا، والمسيرة الخضراء ملحمة نور ومبايعة وإجماع، فإنّ يوم 31 أكتوبر يستحق أن يُسجّل عيدا جديدا يُسمّى عيد الوحدة، احتفاءً بنصر دبلوماسي تاريخي، وبمسار وطني انتصر للثوابت، وأعاد رسم خرائط الشرعية الدولية بحكمة وإيمان وثقة في وعد الله ونصره لعباده الصادقين.
هكذا تُكتب الفصول المجيدة من تاريخ الأمم:
توكلٌ لا رياء فيه، وإرادة لا تلين، وقيادة ترى أبعد ممّا يرى غيرها.
فطوبى لشعب اختار الوفاء، وطوبى لملك أحبّ وطنه فرفعه الله بين الأمم.
عاش الوطن… عاش الملك.
إن مسار الوحدة الوطنية ليس خطًا مستقيمًا ترسمه الصدفة أو تمنحه العواطف، بل هو مشروع تاريخي مؤسَّس على شرعية الأرض والإنسان والمؤسسات، ومسنود بإستراتيجيات حكيمة تجمع بين العمق الدبلوماسي والبعد الاقتصادي والتحالفات المتوازنة. وقد أثبتت التجربة المغربية أن صبر الدولة، حين يكون مؤطرًا بروح المسؤولية وتقدير الواقع الدولي، قادر على تحويل ما كان يُنظر إليه كحلم سياسي إلى حقيقة دولية مُسلّم بها، تُثبتها الخرائط وتوقّعها القوى العظمى وترعاها الشرعية الأممية.
إنها لحظة فارقة في الذاكرة الوطنية، لا تؤرخ لنصر الحدود فقط، بل تنتصر لروح المغرب الثابتة عبر قرون: دولةٌ ملكيةٌ شامخة، وشعبٌ وفيٌّ ممتد من طنجة إلى الكويرة، ورسالة حضارية ترسّخ قيم السلام، وتقدم للعالم نموذجًا في إدارة الخلافات بحكمة ورؤية وامتلاك ناصية المستقبل.
ولأن الأمم العظيمة تُقاس بقدرتها على صون سيادتها وبناء مستقبلها في آن واحد، فإن المغرب يمضي بثبات، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، نحو ترسيخ الوحدة وتعزيز مكانته في محيطه الإقليمي والدولي، مؤمنًا أن التاريخ لا يكتبه الأقوى سلاحًا فحسب، بل الأصدق قضية والأصلب عزيمة والأعدل مسارًا.
فليحفظ الله المغرب وملكه، ولتظل وحدتنا تاجًا على جبين الوطن، وعيدًا تتوارثه الأجيال فخرًا وعزة.



