المحامي اشماعو قدم مرافعة قانونية رفضا لاعتذار أعضاء اللجنة المؤقتة للصحافة

بقلم: ذ. فاطمة الزهراء الابراهيمي
لم يكن ظهور الأستاذ محمد اشماعو في برنامج ميدي 1 تي في مجرد مشاركة إعلامية عابرة، بقدر ما كان مرافعة كاملة المعالم، مؤسسة في خطابها، واضحة في موقفها، عالية النبرة بالقدر الذي تفرضه اللحظة ودقتها.
ما عبّر عنه الأستاذ اشماعو لم يكن رأياً فردياً، بل كان صدىً لوجدان جماعي داخل أسرة الدفاع، التي شاهدت — كما شاهد الرأي العام — الفيديو المسرّب المتعلق بالمداولات، وما حمله من إساءة غير مسبوقة لهيبة العدالة ومكانة المؤسسات القضائية.
لقد أحسن الزميل في تشريح مواضع الخلل، وأحصى بوضوح المواقع التي طالها الاهتزاز، بدءاً من المساس بقدسية سلطة القضاء واستقلاله، كما هو منصوص عليه في دستور 2011، مروراً بانتهاك قرينة البراءة المكفولة دستورياً، وصولاً إلى ضرب قواعد المحاكمة العادلة،والتي تشكل، في أصلها، الأساس الذي لا تقوم العدالة بدونه.
ذلك أن احترام الحقوق الإجرائية والموضوعية ليس امتيازاً ممنوحاً للمتقاضين، بل هو ضمانة دستورية لا يجوز لأي جهة، كيفما كان موقعها أو صفتها، أن تمس بها أو تنتقص منها.إن أخطر ما حدث في هذا التسريب ليس فقط شكل المداولات، بما حمله من لغة غير منضبطة وممارسة غير متزنة، ولكن ما يوحي به من هشاشة في التعامل مع ملفات حساسة تمس مصائر أشخاص وحقوقهم.
وهنا تكمن خطورة الانزلاق: فعندما تتزعزع ثقة المجتمع في عدالة قرارات مؤسساته، تُصاب دولة القانون في عمقها. فالقانون لا يُهزم بالقوة، بل بفقدان الثقة فيه.
وفي هذا السياق، جاء موقف الأستاذ اشماعو باسم المحامين موقفاً رصيناً وواضحاً، رافضاً للاعتذارات المتأخرة التي صدرت عن بعض أعضاء اللجنة، معتبراً — بما يتوافق مع القراءة القانونية والواقعية — أن الاعتذار لا يكفي إذا لم يكن متناسباً مع حجم الخطأ، ولا يكتسب قيمته إذا ظل معزولاً عن تحمل المسؤولية الأخلاقية والمهنية.
ذلك أن الخطأ، حين يتعلّق بجهاز التأديب داخل منظومة العدالة، لا يُقاس بحجم الضرر فحسب، بل بوزن المؤسسة التي صدرت منه وبأثره على الثقة العامة.إن المرافعة التي قدّمها الزميل لم تكن دفاعاً عن أشخاص، بل دفاعاً عن قيمة المهنة نفسها. فالمحاماة في المغرب ليست هيئة شكلية، بل مؤسسة دستورية موازية للعدالة، يحميها القانون كما يحمي حرية الدفاع، ويحمّلها في الآن ذاته مسؤولية أخلاقية وتاريخية.
وإذا كانت المادة 1 من قانون مهنة المحاماة تنص على أن المحاماة تساهم في تحقيق العدالة وحماية الحقوق والحريات، فإن ذلك لا يكون إلا بصوت حر، مستقل، رافض لكل انحراف ولأي انتقاص.من ظنّ أن المحاماة قابلة للانحناء، فقد جانب الصواب.ومن اعتقد أن مقطعاً مسرّباً يمكن أن ينال من جوهرها، فقد أخطأ التقدير.
فالمحاماة ؛عبر مواقف رجالها ونسائها؛ أثبتت مرة تلو الأخرى أنها عصية على الكسر، شامخة في محطات الاحتقان، ثابتة حين ترتبك الموازين. وهي اليوم، كما كانت على الدوام، لا تسمع إلا لصوت الحق، ولا تنحني إلا للقانون، ولا تتراجع أمام العاصفة ولو تعاظمت.
إن كلمات الأستاذ محمد اشماعو في تلك المداخلة ليست حدثاً، بل وثيقة موقف.وإذا كان البعض قد أخطأ بحق العدالة، فإن المحاماة؛ بصوتها؛ لم تخطئ بحق الوطن.



