أخبارالرئيسيةجهات المملكة

المعهد العالي للعلوم الأمنية بإفران ثورة في التكوين الأمني بالمغرب

تعززت منظومة التكوين الأمني وتحديث بنيات التأهيل الشرطي بالمملكة بتدشين المعهد العالي للعلوم الأمنية بمدينة إفران باعتباره مؤسسة أكاديمية متخصصة تروم الارتقاء بالمقاربات المعتمدة في إعداد وتأهيل الموارد البشرية الأمنية.

ويأتي إحداث هذا الصرح التكويني الجديد الذي أشرف على تدشينه المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني عبد اللطيف حموشي الجمعة 5 دجنب بمدينة إفران تنزيلا للرؤية الاستراتيجية للمديرية العامة للأمن الوطني الرامية إلى تطوير مناهج التكوين وتجويد مسارات البحث العلمي ودعم القدرات المهنية للأطر والكوادر الأمنية بما ينسجم مع المتطلبات الحديثة للعمل الأمني ومع التحديات المتنامية في مجالات الأمن الوطني

وجرت مراسم الافتتاح بحضور شخصيات وطنية ودولية بارزة في مجال الأمن والتكوين الشرطي. من بينهم الدكتور عبد المجيد بن عبد الله البنيان رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالمملكة العربية السعودية واللواء راشد محمد بورشيد مدير أكاديمية سيف بن زايد للعلوم الأمنية والشرطية بأبوظبي، إضافة إلى رؤساء جامعات وطنية ومسؤولي معاهد أكاديمية متخصصة.

كما حضر التدشين كل من محمد عبد النباوي الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى جانب والي جهة فاس مكناس وعامل عمالة إفران وعامل إقليم الحاجب وعدد من ضباط الاتصال الأجانب المعتمدين بالمغرب.

صرح أكاديمي جديد واستراتيجية وطنية متجددة

يمثل المعهد العالي للعلوم الأمنية خطوة متقدمة في مسار تحديث مناهج التكوين الشرطي التي تعتمدها المديرية العامة للأمن الوطني انسجاما مع رؤيتها المستقبلية الرامية إلى تطوير المهارات العلمية والميدانية لأطر الأمن وربط منظومة التكوين بالشراكات الدولية ومناهج البحث العلمي.

وسيساهم هذا المعهد في تعزيز القدرات التكوينية التي يوفرها كل من المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة والمدارس الجهوية للشرطة من خلال تنظيم دورات متقدمة وورشات علمية وبرامج تدريبية مشتركة مع مؤسسات وطنية ودولية رائدة وإعداد جيل جديد من القيادات الأمنية المؤهلة لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة.

تكوين قائم على الاستباقية والتكنولوجيا وحقوق الإنسان

يرتكز المعهد في هندسته التكوينية على إعداد كوادر أمنية تمتلك رؤية استباقية وكفاءة تقنية عالية قادرة على التفاعل مع تطور أنماط الجريمة والتحولات التكنولوجية المتسارعة واستعمالات الذكاء الاصطناعي والرقمنة.

ويولي المعهد اهتماما خاصا لترسيخ مبادئ احترام حقوق الإنسان وصون الحريات العامة،باعتبارها جزءا أصيلا من العمل الأمني الحديث إلى جانب تنمية الحس المهني والقدرة على اتخاذ القرار في المواقف المعقدة.

ولتحقيق هذه الأهداف،تم دمج التكوين العلمي النظري بالتدريب الميداني مع تسخير التكنولوجيات الحديثة بما فيها تقنيات المحاكاة لتأهيل المتدربين على معالجة أصعب السيناريوهات الأمنية.

شراكات عربية ودولية… انفتاح واسع على الخبرة العالمية

وفي إطار الانفتاح على التجارب الرائدة،أبرم المعهد اتفاقية شراكة استراتيجية مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية التي تعد من أبرز المؤسسات العربية المتخصصة في تكوين القيادات الأمنية في مستويات الدكتوراه والماجستير.

وتهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التعاون في مجالات البحث العلمي ومكافحة الجريمة وتطوير السياسات الأمنية الإقليمية وتنظيم برامج تدريبية مشتركة مع تبادل الخبرات في الندوات والمؤتمرات والورشات. كما ترمي إلى دعم إنشاء شبكة عربية للخبراء في مجالات الأمن والوقاية من الجريمة.

بنية متكاملة… من قاعات الذكاء الاصطناعي إلى محاكاة التدخلات الشرطية

تم تجهيز المعهد ببنية تحتية عصرية تشمل قاعات للتكوين النظري-مراكز للغات والترجمة،-فضاءات رياضية داخلية وخارجية- مرافق للإيواء والإعاشة ومصحة طبية.

كما يتوفر على قاعات متقدمة لمحاكاة الرماية والتدخلات الشرطية في ظروف معقدة بما يسمح ببناء نموذج تكويني متكامل يجمع بين الدقة العلمية والجاهزية الميدانية ويوفر للمتدربين بيئة متطورة تضمن التكوين في أفضل الظروفثورة في التكوين الأمني بالمغرب…

بنية تحتية بمعايير عالمية

يمتد المعهد على مساحة 42 هكتاراً، ويضم:

  • حرم جامعي حديث يتسع لـ3000 طالب وطالبة (ضباط وأطر مدنية).
  • مركز محاكاة تكتيكية (Simulation Center) يُعد الأكبر في إفريقيا، يحتوي على مدينة افتراضية كاملة لتدريب الوحدات الخاصة.
  • مختبر للأمن السيبراني من المستوى الرابع (Tier-4)، مزود بتقنيات الذكاء الاصطناعي لمحاكاة الهجمات الإلكترونية.
  • قاعات دراسية ذكية، مكتبة رقمية تضم أكثر من 180 ألف عنوان متخصص، ومهجع يحترم أعلى معايير الاستدامة البيئية (شهادة LEED البلاتينية).

كلف المشروع أكثر من 1,8 مليار درهم، تم تمويله بالكامل من ميزانية المديرية العامة للأمن الوطني، دون أي قروض خارجية.

شراكات دولية غير مسبوقة

ما يميز المعهد هو شبكة الشراكات الاستراتيجية التي وقّعها المغرب مع أبرز الأكاديميات الأمنية في العالم:

  • الأكاديمية الوطنية للـFBI في كوانتيكو (الولايات المتحدة): برامج مشتركة في التحري الجنائي المتقدم والاستخبارات.
  • المدرسة الوطنية للشرطة الفرنسية (ENSP) في سان سير: تكوين في إدارة الأزمات والوحدات الخاصة.
  • أكاديمية الشرطة الملكية البريطانية في برامشيل: برامج في مكافحة الإرهاب والتفاوض في حالات الرهائن.
  • المعهد الوطني للدراسات الأمنية والعدالة (إسبانيا): تعاون في مكافحة تهريب المخدرات والهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط.
  • أكاديمية محمد بن نايف للدراسات الأمنية (السعودية): تبادل خبرات في الأمن الوقائي والتطرف العنيف.

كما أعلن عن اتفاقية مع جامعة جورجتاون الأمريكية لإطلاق ماستر مشترك في «السياسات الأمنية والحوكمة».

برامج دراسية ثورية

سيمنح المعهد ثلاثة أنواع من الدبلومات ابتداءً من الدورة 2026-2027:

  1. الإجازة المهنية في العلوم الأمنية (3 سنوات) للحاصلين على البكالوريا.
  2. الماستر المتخصص في خمسة مسالك: الأمن السيبراني، الاستخبارات، إدارة الأزمات، الشرطة القضائية، الأمن البيئي والمناخي.
  3. الدكتوراه في العلوم الأمنية (شراكة مع جامعات فرنسية وأمريكية).

وستُدرَّس 40% من المواد باللغة الإنجليزية، و20% بالفرنسية، فيما تبقى اللغة العربية أداة التدريس الأساسية.

تصريحات رسمية

في كلمة بالمناسبة، قال عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني:
«لم نعد نُكوِّن شرطياً يحمل دفتر المخالفات فقط، بل قائداً أمنياً يفهم الجيوسياسة، يتقن التكنولوجيا، ويحترم حقوق الإنسان. هذا المعهد هو رد المغرب على تعقيد التهديدات الجديدة».

من جانبه، أكد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت أن المعهد «سيفتح أبوابه أمام ضباط من دول صديقة وحليفة، خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء والساحل»، مما يعزز مكانة المغرب كقطب إقليمي للتكوين الأمني.

ردود فعل إقليمية ودولية

  • الاتحاد الإفريقي رحّب بالمشروع واعتبره «نموذجاً يُحتذى» في تطوير القدرات الأمنية بالقارة.
  • صحيفة «لوموند» الفرنسية وصفته بـ«كوانتيكو المغرب»، مشيرة إلى أنه «سيغيّر موازين التكوين الأمني في المنطقة المغاربية والإفريقية».
  • موقع «Intelligence Online» الفرنسي المتخصص كتب: «المغرب يضع نفسه كمركز ثقل جديد في صناعة الخبراء الأمنيين، في وقت تتراجع فيه فرنسا عن دورها التقليدي في إفريقيا».

مستقبل واعد

في أول دورة (2026)، سيتم قبول 850 طالباً مغربياً و120 طالباً أجنبياً (منهم 60 من دول الساحل والصحراء عبر منح كاملة). ويخطط المعهد لإطلاق فرع ثانٍ في المنطقة الشرقية بحلول 2030.

بهذا المشروع، يؤكد المغرب أنه لم يعد مجرد بلد يستهلك الخبرة الأمنية الغربية، بل صار منتجاً ومصدِّراً لها… وإفران، «سويسرا المغرب»، أصبحت الآن عاصمة جديدة للعلوم الأمنية في إفريقيا.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button