اللهم غيثا نافعا ودعاء مستجابا

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي
جاء المطر وافيًا، متدفقًا بأكثر مما كنا ننتظر، وكأن السماء لبّت نداء الأرض العطشى، واستجابت لدعاء المستضعفين من عباد الله؛ “اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك ولا تجعلنا من القانطين”، فجادت السماء وغسلت وجه الحقول، وأعادت للحياة نبضها بعد سنوات من الجفاف والقحط. ارتوت التربة، واخضرت المراعي، وانتعش الأمل في صدور الفلاحين، واستبشر الناس خيرًا، إذ في الغيث رحمة، وفي نزوله بركة، وبه تخف الأعباء، وترخص الأسعار، وتكثر الخيرات، ويشعر الإنسان بأن رحمة الله أقرب إليه من همّه.
ومع كل قطرة نزلت من السماء، كانت دعوة صادقة تصعد من القلوب، دعوة بالفرج، وبالستر، وبحياة كريمة تحفظ للإنسان أمنه وكرامته. فالمطر، وإن كان ماءً، إلا أنه في وجدان الناس رسالة طمأنينة، وعهد جديد مع الرجاء، وإشارة إلى أن بعد الضيق سعة، وبعد الانتظار استجابة.
غير أن هذا الغيث، وهو يحمل في طياته الخير، حمل معه أيضًا ابتلاءً ثقيلًا على النفوس؛ إذ تحولت بعض الفيضانات إلى محنة، وجرفت السيول بيوتًا وأحلامًا، وخطفت أرواحًا عزيزة پ “أسفي..” ومناطق متعددة. ففُجعت الأسر، وترمّلت النساء، ويتم الأبناء، وانكسرت القلوب التي لم تكن تملك من الدنيا إلا بساطتها وأملها. اختلطت دموع الفرح بدموع الحزن، وساد الصمت في أماكن كانت عامرة بالحياة، فاهتزت الضمائر، وشعر الإنسان بهشاشته أمام قَدَر الله وسننه في الكون.
لقد جرفت السيول الأخضر واليابس، وتركت وراءها جراحًا غائرة في الذاكرة والوجدان، لكنها في الوقت ذاته أيقظت معاني التضامن والتكافل، فأقبل الناس على بعضهم بعضًا، يواسون، ويشدّون الأزر، ويقاسمون الألم قبل الخبز، إدراكًا منهم أن المصاب إذا عمّ خفّ، وأن الرحمة بين العباد من أعظم أبواب الرحمة الإلهية.
وأمام هذا المشهد المهيب، لم تجد القلوب ملاذًا إلا في التوجه إلى الله، رافعةً الأكف، خاشعةً متضرعة، تسأله اللطف في قضائه، والرحمة في بلائه، وأن يجعل ما نزل رحمة لا نقمة، وتطهيرًا لا هلاكًا.
اللهم ارحم من قضوا تحت الأنقاض وفي السيول، وتغمدهم بواسع مغفرتك، واجعلهم من الشهداء، وخفف عن ذويهم ألم الفقد، وألهمهم الصبر والسلوان، وجبّر كسرهم جبرًا يتعجب له أهل الأرض والسماء.
اللهم كن عونًا لمن فقدوا بيوتهم وأمنهم بفعل سقوطها “بفاس”، واخلف عليهم خيرًا، وبارك في كل يدٍ امتدت بالعون، وكل قلبٍ حمل همّ غيره، واجعل بعد هذا البلاء فرجًا قريبًا، وسكينةً تعمّ النفوس، ورحمةً تظلّل البلاد والعباد، إنك أنت اللطيف الرحيم.



