Hot eventsأخبارأخبار سريعةعين العقل

غياب “الرياضية”… حين يصبح الصمت فشلاً معلناً

في اللحظة التي كان يُفترض فيها أن يتقدّم الإعلام العمومي الصفوف، وأن تتحول القناة الرياضية إلى رأس حربة في تسويق صورة المغرب الكروي وهو يحتضن كأس الأمم الإفريقية، اختارت “الرياضية” الغياب. غياب لا يُقاس فقط بعدد البرامج أو جودة البث، بل بفراغ واضح في الرؤية، وحضور باهت في حدث يُفترض أنه لحظة وطنية بامتياز.

ليس الغياب هنا تقنياً ولا ظرفياً، بل هو غياب سياسي–تحريري بامتياز. غياب ناتج عن سنوات من التسيير المرتبك، ومن إفراغ الإعلام الرياضي العمومي من روحه النقدية، وتحويله إلى مجرد أداة بث بلا شخصية ولا جرأة. فحين تحضر الكان بكل ثقلها القاري والدولي، وتغيب “الرياضية” عن لعب دورها الطبيعي في التحليل، والتفسير، وخلق النقاش العمومي، فنحن أمام فشل بنيوي لا يمكن تبريره بالأعذار الجاهزة.

الرياضية، التي كان يُفترض أن تكون مدرسة في الصحافة الرياضية، تحوّلت إلى قناة تلهث خلف الحدث بدل أن تصنعه. برامج مكررة، محللون يبدّلون الكراسي ولا يبدّلون الخطاب، وتعاطٍ محتشم مع القضايا الحقيقية التي تهم الجمهور: من حقوق البث، إلى كواليس التنظيم، إلى مساءلة الأداء الإعلامي نفسه. كأن هناك خوفاً مزمناً من الاقتراب من الأسئلة المزعجة، أو كأن الصمت أصبح سياسة رسمية.

الأدهى من الغياب المهني، هو الغياب الأخلاقي. حين يشعر المشاهد أن القناة لا تمثله، ولا تعكس انتظاراته، ولا تحترم ذكاءه، فإنه يبحث عن بدائل. وهنا بالضبط تكمن الخطورة: إعلام عمومي ممول من المال العام، لكنه عاجز عن منافسة قنوات خاصة أو منصات رقمية في تغطية حدث يُقام فوق أرضه.

غياب “الرياضية” في الكان ليس حدثاً معزولاً، بل نتيجة طبيعية لزواج غير صحي بين القرار الإعلامي ومنطق الريع، بين المسؤولية والمصلحة، وبين الاستمرار في المناصب وغياب المحاسبة. لذلك لا يبدو مستغرباً أن تمر محطة قارية بهذا الحجم دون أن تترك القناة بصمتها، لأن من اعتاد الغياب عن الإصلاح، سيغيب بالضرورة عن اللحظات الكبرى.

إن كأس إفريقيا ليست فقط بطولة كرة قدم، بل اختباراً للإعلام، ولمدى قدرته على مواكبة التحولات، وعلى الدفاع عن حق المواطن في إعلام مهني، قوي، ومستقل. وغياب “الرياضية” اليوم هو رسالة سلبية، مفادها أن الإصلاح ما يزال مؤجلاً، وأن الاعتراف بالفشل أصعب من تحمّل كلفته.

الكان سيمر، وستُطوى صفحته، لكن السؤال سيبقى معلقاً: إلى متى يستمر هذا الغياب؟ وإلى متى يُترك الإعلام الرياضي العمومي أسير الماضي، في وقتٍ يركض فيه العالم نحو المستقبل؟

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button