أخبارأخبار سريعةثقافة و فنجهات المملكةعين على الخليج

جلسة مغربية إماراتية بالرباط تستكشف دور الحكاية الشعبية في تشكيل الوجدان العربي

استضاف المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، اليوم السبت، جلسة ثقافية مشتركة بين المغرب ودولة الإمارات العربية المتحدة، سلطت الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه الحكاية الشعبية في تشكيل الوجدان والهوية العربية المشتركة.

وقد جمعت هذه الجلسة، التي أقيمت ضمن فعاليات برنامج الشارقة ضيف شرف الدورة الثلاثين للمعرض، الباحث المغربي البارز سعيد يقطين والكاتبة الإماراتية المرموقة شيخة الجابري، وأدارتها ببراعة الشاعرة الإماراتية شيخة المطيري، تحت عنوان دال “جسر بين ضفتين: المشترك الإبداعي في مشرق العالم العربي ومغربه”.

في مداخلته القيمة، توقف الباحث سعيد يقطين عند المكانة المركزية للحكاية الشعبية باعتبارها مكونًا ثقافيًا حيويًا يتجاوز حدود الزمان والمكان. واعتبر يقطين أن “الحكايات واحدة من أهم ما يجمع الناس؛ فهي ليست مجرد قصص للتسلية العابرة، بل هي سجل أمين لتجربة الإنسان العميقة مع محيطه الطبيعي والاجتماعي، وعلاقته المعقدة بالحياة والكون”.

وأوضح يقطين أن قوة الحكاية الشعبية تكمن في بساطتها وعفويتها وصدقها العميق، وفي قدرتها الفريدة على التحول إلى أمثال وأقوال مأثورة تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل، وتظل نابضة بالحياة بفضل قدرتها المدهشة على ملامسة الوجدان المشترك لدى أبناء الأمة العربية. ولاحظ أن الحكاية تتمتع بميزة فريدة أخرى هي امتلاكها “أجنحة تطير بها” بسهولة ويسر من ثقافة إلى أخرى، مقدمًا مثالًا حيًا بشخصية “جحا” الفكاهية، التي تحضر بصور وأبعاد متعددة في التراث العربي الغني والتراث العالمي على حد سواء.

وفي تحليله المتعمق للتراث الشفاهي العربي، أكد يقطين أن الحكايات الشعبية لعبت دورًا بالغ الأهمية كوسيلة فاعلة لنقل المعرفة والمعلومة في المجتمعات التقليدية، ولكن عبر أسلوب قصصي جذاب وممتع، وظفت فيه شخصيات رمزية أو تاريخية منحت لها أبعادًا خيالية آسرة، مثل شخصية الجازية الهلالية البطلة من التغريبة الهلالية الشهيرة، أو القصص الشيقة التي تدور حول الخليفة العباسي هارون الرشيد وجاريته الشاعرة ولادة بنت المستكفي.

وشدد يقطين على أن الثقافة الشعبية ليست مجرد ترفيه أو تسلية، بل تمثل “أثمن رأس مال لأي ثقافة عالمة”، مؤكدًا أن النهضات الثقافية الكبرى في تاريخ الأمم لا تقوم إلا على قاعدة راسخة ومتينة من الذاكرة الشعبية الغنية، وأن أي مشروع ثقافي حقيقي وطموح يجب أن يعي هذا التراث الأصيل ويعيد إنتاجه برؤية معاصرة تستلهم الماضي وتستشرف المستقبل.

من جانبها، استعرضت الكاتبة الإماراتية شيخة الجابري الدور الحيوي والمحوري الذي لعبته المرأة عبر التاريخ في حفظ الحكايات الشعبية ونقلها شفاهيًا عبر الأجيال المتعاقبة، مؤكدة أن المرأة كانت ولا تزال الحامل الأمين للثقافة والهوية الجمعية. وأشارت إلى أن مصطلح “الخروفة” أو “الخراريف”، الذي يطلق على الحكايات الشعبية في الثقافة الإماراتية الأصيلة، هو ذاته المصطلح المستخدم في المغرب للدلالة على القصص الشفاهية المتوارثة عبر الأجيال.

وضربت الجابري مثالًا حيًا على وحدة القصص الشعبية العربية رغم اختلاف التسميات المحلية، مستشهدة بقصة “سندريلا” العالمية الشهيرة التي تظهر في الثقافة الإماراتية بأسماء محلية مثل “البديحة” و”سميكتي”، مما يعكس بوضوح كيف تتجسد كونية الحكاية بروح محلية فريدة داخل كل مجتمع عربي.

وخلصت الكاتبة الإماراتية إلى أن الحكاية الشعبية ستبقى دائمًا أحد أبرز الجسور الثقافية المتينة التي تربط بين الضفتين الشرقية والغربية للعالم العربي، وتمنح الأجيال الجديدة مفاتيح حقيقية لفهم الذات العربية المشتركة والآخر المختلف عبر استحضار الذاكرة الشعبية الخصبة وتوسيع آفاق الخيال الإبداعي.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button