الملك يصحح مسار السياسات الفلاحية: من فشل التدبير إلى استعادة السيادة الغذائية

جاء البلاغ الصادر عن الديوان الملكي عقب اجتماع المجلس الوزاري ليوم 12 ماي 2025 كمحطة فارقة في تقييم السياسات العمومية المرتبطة بالأمن الغذائي الوطني. كشف التدخل الملكي المباشر في ملف تدبير القطيع الوطني عن تحول نوعي في منطق التعاطي مع اختلالات القطاع الفلاحي، وهو ما يعد رسالة قوية للحكومة ومؤسسات الدولة مفادها: انتهى زمن التجاهل والتهرب من المحاسبة.
وجه الملك محمد السادس استفسارًا مباشرًا حول وضعية القطيع الوطني، مما يؤكد أن القضايا ذات الطابع الاجتماعي لم تعد قابلة للتأجيل أو التسويف. هذا التدخل يصحح أعطابًا بنيوية راكمها سوء التدبير وضعف النجاعة وتكرار الفشل في تنزيل سياسات فلاحية تحقق نتائج ملموسة.
فشل السياسات القطاعية: مخططات بلا أثر:
تجسد الحالة المغربية ما يعرف بـ “تكرار الفشل القطاعي”، أي إطلاق استراتيجيات كبرى وضخ ميزانيات ضخمة دون انعكاس على الواقع المعيشي للمواطنين. رغم تسويق مخططات مثل “المخطط الأخضر” و”الجيل الأخضر” كرافعات للإقلاع الفلاحي، تكشف الأرقام تراجعًا مستمرًا في القطيع الوطني منذ 2016 واستمرار هشاشة الإنتاج الحيواني في ظل غياب المحاسبة.
هذه الإخفاقات لم تكن نتيجة شح في الموارد، بل نتيجة غياب الحكامة وتغول منطق الريع وخلل في توجيه الدعم، حيث استفادت منه فئات لا تمثل الفلاحين الصغار، بل شبكات محظوظة تعيد إنتاج الامتيازات.
وزارة الفلاحة: عجز وفقدان ثقة:
من أبرز الرسائل السياسية القوية في البلاغ الملكي، إسناد مهمة تأطير إعادة تكوين القطيع إلى وزارة الداخلية، تحت إشراف السلطات المحلية، في سحب واضح لصلاحيات وزارة الفلاحة التي فشلت في حماية المنظومة الفلاحية. هذا القرار يعكس فقدان الثقة في الجهاز التنفيذي للقطاع ويمثل تحولًا في منطق التسيير من “القطاعي” إلى “الترابي”.
الملك… صوت المواطن وضمير الدولة:
جعل الملك محمد السادس من الدفاع عن كرامة المواطن أولوية قصوى، سواء في التعليم أو الصحة أو البنية التحتية أو التشغيل. اليوم، يبرز كضامن للحق في الغذاء، وهو أحد أركان السيادة الوطنية في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية.
هذه المبادرات الملكية تعبر عن وعي استراتيجي وإرادة صلبة لوقف نزيف الفشل وإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة من خلال فرض مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وتخليق الحياة العامة.
الحاجة إلى تعاقد سياسي جديد:
الحكومة مدعوة إلى مراجعة جذرية لأدائها وإعادة ترتيب أولوياتها على ضوء ما كشفته هذه الأزمة من أعطاب هيكلية. لم يعد ممكنًا الاستمرار في تسويق الشعارات أو التذرع بالظروف الخارجية لتبرير الفشل. المشكل داخلي: سوء تدبير وضعف الكفاءة وعجز عن الإنصات للمجتمع.
رئيس الحكومة فقد معركة الثقة وتحول إلى عنوان لفشل حكومي لا يعالج إلا بمراجعة شاملة لمنطق تسيير الشأن العام.
المحاسبة: من مطلب شعبي إلى ضرورة وطنية:
أثبتت الأزمة أن المغرب لا يعاني من ندرة الموارد، بل من غياب الجدية في التسيير ومن ضعف في ربط البرامج بالنتائج. حان الوقت لإقرار مرحلة جديدة قوامها: لا حصانة أمام التقصير ولا استمرارية خارج إطار الفعالية والمردودية.
أكد الملك محمد السادس أنه صمام الأمان للمغاربة وحامي مصالحهم الحيوية، حين تخلت عنها السلطة التنفيذية. هذا التدخل لحظة تأسيسية لإطلاق دينامية جديدة في تدبير الشأن الفلاحي، تقوم على الإنصاف والنجاعة والمحاسبة.