أول قمة إفريقية أطلسية في المغرب : نحو هندسة جديدة لإفريقيا

في خطوة نوعية لترسيخ التعاون جنوب-جنوب، وتعزيز الاندماج القاري على أسس شراكة متوازنة ومبتكرة. أعلنت الرباط عن تنظيم أول قمة إفريقية أطلسية للتنمية المشتركة بالمملكة المغربية، وذلك في شهر مارس 2026. ويأتي هذا الحدث المرتقب ثمرة اتفاقية شراكة وقعت مؤخرا بمدينة جوهانسبورغ بين “مركز تنمية المتوسط” المغربي و “ديفاك إنفست أفريكا” مركز الذكاء الاقتصادي الجنوب إفريقي.
تم توقيع هذه الاتفاقية على هامش القمة الدولية للبنيات التحتية بإفريقيا، وتندرج ضمن رؤية استراتيجية تسعى إلى بناء فضاء إفريقي أطلسي جديد يضم دول الساحل والصحراء الكبرى، والبلدان الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي،إضافة إلى شركاء إقليميين من حوض البحر الأبيض المتوسط.
نحو فضاء تنموي جديد بأجندة إفريقية مستقلة
ترتكز هذه المبادرة على خلق منصة دائمة للحوار والتخطيط المشترك بين الدول الإفريقية المطلة على الأطلسي، بهدف بلورة نموذج تنموي شامل يقوم على الاستثمار الاستراتيجي والتحول التكنولوجي وتثمين الموارد الطبيعية مع تركيز خاص على الاقتصاد الأزرق- الطاقات المتجددة وتطوير البنية التحتية العابرة للحدود.
وتمثل القمة المرتقبة محطة لتأكيد استقلالية القرار الإفريقي في هندسة شراكات مستقبلية خارج الأطر التقليدية التي كثيرا ما أمليت من الخارج،كما تعكس تحولا في الوعي الجماعي الإفريقي بأهمية خلق روافع داخلية للتنمية والتكامل.
المغرب في قلب المعادلة الإفريقية
تنظيم هذه القمة في المغرب لا يخلو من دلالات استراتيجية،إذ يعكس تصاعد دور الرباط كمنصة حوار إقليمي ودولي، وكمحور دبلوماسي فاعل في إفريقيا. فالمملكة ما فتئت منذ عودتها إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017، تطلق مبادرات نوعية لتعزيز التعاون جنوب-جنوب،وتدفع في اتجاه رؤية قارية أكثر تكاملا واستقلالية.
ويعد المغرب من الدول الإفريقية التي طورت نموذجا تنمويا قائما على التوازن بين الانفتاح الاقتصادي والاستثمار في البنية التحتية،وهو ما يمنحه موقعا مميزا لقيادة تحالفات تنموية إفريقية،خصوصا في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها النظام الدولي.
البعد الجيوسياسي: الأطلسي الإفريقي في قلب التحولات العالمية
من منظور جيوسياسي، تعكس هذه القمة تحركا استراتيجيا من الدول الإفريقية لإعادة التموقع على خارطة النفوذ العالمي.فالفضاء الأطلسي الذي طالما ظل رهين القوى الكبرى الغربية،يشهد اليوم صعود قوى إفريقية تسعى إلى استثمار موقعها الجغرافي ومواردها في التفاوض من موقع قوة. ويسهم المغرب بما له من روابط اقتصادية وأمنية مع أوروبا وأمريكا،في بناء جسر تواصلي يعيد رسم معادلة الأطلسي من منظور إفريقي،ويمنح القارة نفوذا تفاوضيا جديدا في قضايا التجارة-المناخ والهجرة.
هذه المبادرة قد تمهيد أيضًا لخلق منتدى أطلسي إفريقي دائم يكون بمثابة نواة لتنسيق السياسات البحرية والاقتصادية بين دول الجنوب، بعيدا عن التبعية لمؤسسات التمويل التقليدية أو الإملاءات الجيوسياسية الخارجية.
العلاقات بين شمال وغرب إفريقيا: من التنافس إلى الشراكة
تشكل هذه القمة أيضا فرصة لإعادة ضبط العلاقات بين شمال وغرب إفريقيا والتي تميزت في الماضي بقدر من التوتر أو الفتور نتيجة تباينات في التوجهات السياسية أو الاقتصادية. غير أن التحولات الجارية،بما فيها التحديات الأمنية (كالإرهاب والاتجار العابر للحدود) والفرص التنموية (كالطاقات النظيفة والموانئ الأطلسية)،باتت تحتم مزيدا من التكامل.
والمغرب، بصفته دولة شمال إفريقية ذات امتداد غرب إفريقي يستطيع لعب دور “جسر تنموي” حقيقي يربط بين الرؤى والموارد والخبرات، بما يفضي إلى تعاون إقليمي أكثر انسجاما وعدالة. كما أن اشتراك بلدان شمال وغرب إفريقيا في مبادرات كهذه، من شأنه أن يعزز الثقة السياسية ويخلق فضاءات مشتركة للنمو والتأثير الإقليمي الجماعي.



