الثراء بين التراب والسراب

مولاي الحسن بنسيدي علي
الثراء، جاء لفظه من “الثرى”، ذاك التراب الذي نسير فوقه مختالين بثيابنا الفاخرة ونياشينا وساعاتنا البراقة، غير مدركين أننا في النهاية سنسير إليه، لا فوقه. ذاك الذي حين يحتوينا، لا يسأل عن رصيد بنكي ولا عن ماركة حذائك الإيطالي، بل يحتضننا جميعًا بعدل لا يُجارى، ويضمنا في ظلمة صمّاء حتى تكاد عظامنا تصرخ فزعًا: “أين الذهب؟ أين العقارات؟ أين أرصدة الخارج؟”.
لكن لا بأس، فهناك دائمًا من يظن أن الذهب لم يُخلق إلا ليوضع في عنقه أو يُخزن في صناديق بنوك سويسرا، ناسياً أنه في الغالب، سينتقل إلى وريث لم يحضر حتى جنازته، وربما لا يعرف له معروفًا إلا عبر كشف الحساب.
أما أولئك الذين يسمّون أنفسهم “فطاحل المال”، فهم أنفسهم “فراقشية” العصر الحديث، و”قلالشة” الزمن الرديء، الذين لم يكتفوا بسرقة أموال غيرهم، بل سرقوا حتى المعنى من كلمات كنا نعدها مقدسة: “الحق”، “الوطن”، و”الشهادة العلمية”.
ترى أحدهم وقد لبس ثوب الوقار على مقاس محفظة أوراقه البنكية، وهو في الحقيقة لا يُفرّق بين الموازنة والمصاريف، لكنه حاز الدكتوراه بمالٍ عام أو علاقات خاصة، ثم اعتلى منصبًا ليصير تاجراً في سوق الوطنية، يبيع ويشتري في الناس كما تُباع الطماطم أيام الغلاء.
ومنهم من احتكر الأسواق، فصار السكر مثل الذهب، والزيت كالعنبر، والمواطن لا يجد حليبًا لطفله، بينما تُصدَّر الثروات في صمت مريب، ويُعاد استيرادها مغلفة بلُغة أجنبية وسعر مضاعف.
وهناك صنف آخر، بنى إمبراطوريته فوق هشيم أحلام البسطاء. باع أراضٍ ليست له، وعلّم أبناءه أن الوطن ليس إلا مغنماً، وأن القانون هو مجرد وجهة نظر. ينهب باسم المشاريع، ويُبيّض المال كما يُغسل القطن، ثم يُنصّب نفسه حامي الوطن، وهو أشدّ عليه من أعدى أعدائه.
فيا أيها المتخمون بما ليس لكم، هل تفكرتم لحظة في مشهد النهاية؟ حين تعجز أيديكم المرتجفة عن عدّ أوراق المال؟ حين تتبدل رائحة العطور الفاخرة بعفن التراب؟ حين تُطوى صحائفكم أمام من لا تُخفى عليه خافية؟
لو أدركتم هذا، حقًا، لربما تركتم بعض الذهب لأرملة ولا جائع، أو لبعض الأمل في قلب يتيم، أو على الأقل، لتذكرة قطار قد يوصلكم إلى جهنم بسرعة رجال الأعمال.



