حين تبيض اليمامة على الوتد…

بقلم الاستاذ:مولاي الحسن بنسيدي علي
في زمنٍ صار فيه الوتد منبرًا، واليمامة مذكرة سياسية، نزلت علينا أيام الأعياد كما تنزل الأخبار العاجلة على شاشة قناة لا تعرف سوى “عاجل… وعاجل جدًا”، وإذا بجنابه– لا فض فاه – يخرج من مصلى مولاي ادريس في يوم العيد مرفوع الرأس، منتفخ الصدر، يكاد الهواء لا يسع صدره، وكأن الله قد خلق الخلق لأجله وحده، وخلق الأعياد لتُذبح فيها الكرامة بدل الأضاحي.
يمشي في الأرض مرحًا، كأن التراب ذاته خُلق ليمسّ حذاءه فقط، يتلفت يمنة ويسرة، فيرى الحشود تمجده، والعيون تدمع من فرط “الفرح” لرفع كلفة الاضحية وقد ناب عن الشعب في ذلك امير المؤمنين حفظه الله، والألسن تتلعثم بما يشبه المدح، أو ما يشبه “التزلف” إن أردنا الدقة!
أما هو، فلا وقت لديه للتواضع، فالتواضع لا يليق بالمناسبات الوطنية – وهو ممثل الجهة كما يسميها في خاطره – وكيف يتواضع من يرى نفسه قد بلغ في الأفق مبلغ النجم، وإن كان نجمًا من ورق؟
لكنه – ويا لسخرية الأقدار – لم يقرأ في كتاب التجربة أن الزهو مرض مزمن، وأن “أصغر قشّة” قد تقسم ظهر البعير، وأن التاريخ لا يرحم من ظن أنه فوق النقد، وفوق المحاسبة، وفوق… البشر.
في زاوية أخرى من المشهد من مدينة سبعة رجال، كان بعض الوجهاء ممن كانوا– ذات زمن– يلبسون الهيبة كما يلبسون الجلابيب المطرزة، قد قرروا أن العيد فرصتهم الذهبية لسرقة الأضواء. فانقلب المشهد إلى ما يشبه حفلة “أراجوزات”، حيث يلبس الوجيه عباءة التواضع المزيف، ويهشُّ الأطفال كما يهشّ الذباب، ويبتسم ابتسامة تشبه وجهه حين يرى قرار اعفائه.
قال أحدهم – وهو يرفع خروف العيد كمن يرفع راية النصر –: “انظروا إليّ! أنا الشعب، أنا الوطن، أنا الأضحية الكبرى!” ولم يعلم أن أضحيته الكبرى هي سمعته، التي سقطت على قارعة الطريق وتداولتها الالسنة، كما تسقط أحذية الضيوف في حفلات الزفاف الشعبية.
إننا نعيش زمنًا تُقلب فيه الموازين، ويُرفع فيه من لا يُرفع، ويُبجل فيه من لا يعرف للهيبة طريقًا ولا للكرامة معنى. ولكن ما بين مشهد ومشهد، تظل الحقيقة تلمع كالنجمة في ظلمة التملق، تهمس في أذن العاقل: إن العيد ليس للزيف، ولا السلطة للزهو، وإن من تهاوى على المسرح مصفقًا لنفسه، قد يسقط ذات يومٍ على وجهه حين يخفت التصفيق، ويغيب الستار.
…



