أخبارالرئيسيةصحافة وإعلامفي الصميم

 624 حكما ضد الصحافة الفرنسية سنة 2024 والسياسيون أكثر المشتكين

الأحكام الصادرة ضد الصحافة الفرنسية في القضايا المرتبطة بالتشهير والتدخل في الحياة الشخصية، تجاوز 620 حكما سنة 2024، وهو رقم قياسي وفق ما أوردته أسبوعية “ماريان” في عددها الأخير.

   وتأتي الشخصيات السياسية على رأس قائمة المشتكين بالصحف والمواقع الإلكترونية على اختلاف أنواعها، الجادة منها والهزلية، حيث المنافِسة السابقة في الانتخابات الرئاسية، مارين لوبن، رفعت لوحدها 22 دعوى قضائية مرتبطة بالتجريح وإشاعة أخبار زائفة. وكانت حصيلة التعويضات عن معظم الدعاوى التي ربحتها، هي 5000 أورو، وهبتها لحزبها “التجمع الوطني”.

باريس- أحمد الميداوي*

   وفي مقدمة المشتكين من “تغوّل الصحافة”، رئيس الحكومة السابق فرانسوا بايرو، والرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي وعقيلته كارلا بروني، وبعض قادة الأحزاب السياسية، وعدد من أعضاء الحكومة، والنواب، وشخصيات أخرى من عالم الفن والأعمال.. وكل هذه النخب السياسية والاقتصادية والفنية ومجموعها 382 شخصية، حصلت مجتمعة على مبلغ يقل عن 30 ألف أورو، دفعته الصحف والمواقع المعنية كتعويض عن الأضرار المعنوية والأخلاقية التي لحقت بالمشتكين.

   ولنتمرّن قليلا على لعبة الضرب وعملية الزائد والناقص، لنتبيّن أن تعويضات نحو 4000 من الأحكام الصادرة في فرنسا في العقد الأخير والتي بلغت 220 ألف أورو (زهاء 230 مليون سنتيم)، لفائدة قادة فرنسا وبعض زعماء الأحزاب، وكبار المسؤولين، تؤكد التعامل المرِن للقضاء الفرنسي المتفهم لرسالتها الإعلامية، وإن كانت تزيغ أحيانا عن الإطار المهني المعمول به.

230 مليون سنتيم هو المبلغ الذي قد يحكم به القضاء المغربي على صحيفة واحدة، أكانت ورقية أو موقع إعلامي أو غيرهما من الوسائل الإعلامية، (مع التأكيد على أن المقارنة في الأحكام غير جائزة في هذا الباب، بحكم الاختلاف في التجاوزات وفي حجم الضرر).

   ومن فرط تمسك القضاء الفرنسي وتشبعه بقيم النزاهة والعدالة والتطبيق الصارم لفصول الأحكام، قامت وزارة العدل في السنة الماضية بإحداث خلية من علماء النفس بالمدرسة العليا للقضاء، تعنى بغربلة المسارات التربوية والتكوينية المختلفة للمرشحين قبل اجتياز مباراة الالتحاق بالسلك القضائي.

   ويخضع المرشحون بموجب نظام الامتحانات الجديد، لاختبار سيكولوجي دقيق، يبدأ بتشخيص مدقق للبيئة التي ولد وترعرع فيها القاضي المرشح، وأسلاك الدراسة والتربية التي مرّ بها، طيلة مراحل الطفولة والمراهقة والشباب، فضلا عن فحص مفصل لملاحظات أساتذة السلك الإعدادي والثانوي، سعيا إلى أكبر قدر من شروط الاستقامة والجدية، وهما قوام القضاء.

والساسة الفرنسيون هم اليوم أكبر من تستفيد منه “صحافة المشاهير”، التي لا تترك أية صغيرة وكبيرة في حياتهم الشخصية، وخاصة في حياة الشخصيات السياسية النافذة المعروفة بشبكة العلاقات القوية التي تقيمها مع أباطرة الاقتصاد، بالإضافة إلى صداقات أخرى منفعية، تربطها بمدراء ورؤساء تحرير قنوات القطاع العمومي.

وقد حوّلت أولويتها في السنوات العشرة الأخيرة إلى حياة السياسيين، بعد أن اهتدت معظم المجلات الأسبوعية على الخصوص، مما استلزم إعادة ترتيب الأولويات عبر فتح نوافذ إضافية تجلب القراء.

ذذذوحققت سنة 2024 انتعاشة جديدة للصحف والمجلات التي تناولت في غلافها موضوعات متعلقة بالرئيس إيمانويل ماكرون وزوجته، وكثير منها حقّق بفضل ذلك أرباحا طائلة.

وبغض النظر عن صحافة المشاهير ضامنة الربح، تعرف معظم الصحف، منذ سنوات، تراجعا مثير للقلق في مجال المبيعات، قد يُفضي ببعضها إلى الاحتماء بالأوساط الاقتصادية والمالية النافدة كملجأ ضروري للديمومة والاستمرار. وهذا اللجوء الذي ربما لم يكن في الحسبان قبل عقدين من الزمن، صار اليوم ممكنا بل وعمليا.

   فالإجراء الذي اتخذته بعص الصحف، مثل “ليبراسيون” و”لو فيغارو” و”ليكسبريس”، وغيرها، بتفضيلها منح إدارة رأسمالها إلى رجال الأعمال النافذين، كان بمثابة الخيار الأفضل الذي رأت فيه ذات الصحف، تنفيسا ماليا لا غنى عنه.

والصحف الفرنسية كما هو حال نظيراتها الغربية، تجتهد اليوم للتكيف مع توزيع متقلص، وعائدات إعلانات متراجعة، وتكاليف متصاعدة، فضلا عن المنافسة القوية من المواقع الإعلامية والصحف المجانية، وهي منافسة قد تأتي على مستقبل الصحافة الورقية، إلى حد أن الرئيس إيمانويل ماكرون، حذر قبل سنتين من “موت سريري” لجرائد فرنسا، بسبب الصحف المجانية والمواقع الإلكترونية التي باتت تحتلان الصدارة من حيث عدد القراء، متقدمة بكثير على صحف جادة عريقة.

   *صحفي مغربي مقيم في باريس.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button