حرب سيبرانية حادة تشتعل بين إيران وإسرائيل على الجبهات الرقمية

تتسارع وتيرة التصعيد بين إيران وإسرائيل، متجاوزة حدود الضربات العسكرية التقليدية لتشمل جبهة مركزية جديدة: الحرب السيبرانية. تكشف تقارير متعددة، أبرزها من وكالة “بلومبرغ” الإخبارية الأمريكية، عن لجوء الطرفين إلى أساليب إلكترونية متقدمة لتعطيل البنية التحتية، استهداف المؤسسات المالية، وحتى استغلال كاميرات المراقبة الخاصة لجمع معلومات استخباراتية حساسة في الميدان.
– اختراق كاميرات المراقبة في إسرائيل وهجمات على القطاع المالي الإيراني
في تطور غير مسبوق، أعلنت السلطات الإسرائيلية أن إيران نجحت في اختراق كاميرات مراقبة خاصة داخل إسرائيل. هذه المحاولات، التي تكررت منذ بدء الهجمات الصاروخية الأخيرة على تل أبيب، تهدف إلى جمع معلومات آنية عن مواقع سقوط الصواريخ وتحسين دقة الضربات المستقبلية. دعا رفائيل فرانكو، النائب السابق لرئيس هيئة السايبر الوطنية الإسرائيلية، المواطنين إلى تأمين كاميراتهم، مشيراً إلى أن آلاف الكاميرات ما زالت تعمل بكلمات مرور افتراضية. وأكدت هيئة السايبر الإسرائيلية رصد محاولات اختراق جديدة، خاصة في المناطق الحدودية والمواقع الحساسة.
على الجبهة المقابلة، أعلنت جماعة اختراق موالية لإسرائيل تُعرف باسم “سبارو المفترس” مسؤوليتها عن هجوم إلكتروني أدى إلى تعطّل واسع في الخدمات المصرفية داخل إيران، مستهدفاً بشكل خاص مصرف “سبه” المتهم بالالتفاف على العقوبات الدولية. زعمت الجماعة تدمير بيانات المصرف، في سياق موجة تصعيد رقمي متسارع. وأفادت وكالة “فارس” بتعرض إيران لأكثر من 6,700 هجوم من نوع حجب الخدمة (DDoS) خلال ثلاثة أيام، مما دفع الحكومة لفرض قيود مؤقتة على الإنترنت. تُعد “سبارو المفترس” من أبرز الجماعات التي نفذت عمليات مؤثرة ضد إيران منذ عام 2021، مستهدفة شبكات السكك الحديدية ومصانع الفولاذ ومنظومات الدفع في محطات الوقود، بهدف إحداث أثر نفسي وتضخيم إعلامي.
– إيران تلجأ إلى حجب شامل للاتصالات و”ستارلينك” تدخل على الخط
في خطوة وصفت بأنها غير مسبوقة، أعلنت الحكومة الإيرانية عن انقطاع شامل ومؤقت للإنترنت وخدمات الهاتف في عموم البلاد، مبررة ذلك بضرورة التصدي لهجمات إسرائيلية تستهدف البنية التحتية الحيوية. أظهرت بيانات من شركة “Cloudflare” انخفاضاً في حركة الإنترنت تجاوز 90% منذ بدء الحجب. وأفاد المواطنون أن المكالمات المحلية فقط ما زالت ممكنة، مع انقطاع تام عن العالم الخارجي.
في المقابل، أعلن إيلون ماسك أن أقمار “ستارلينك” بدأت ببث خدماتها فوق إيران، مما قد يتيح لبعض المناطق الوصول مجدداً إلى الإنترنت. تأتي هذه التطورات في ظل اتهام طهران لتطبيق “واتساب” بتسريب البيانات لصالح إسرائيل، وهو ادعاء نفته شركة ميتا، مالكة التطبيق، واصفة إياه بـ”ذريعة لحظر وسائل الاتصال الآمن في وقت حساس”.
– مستقبل رقمي قاتم في ظل تصعيد متواصل
يأتي كل هذا التصعيد الرقمي في أعقاب هجوم إسرائيلي استهدف منشآت نووية ومواقع عسكرية إيرانية أسفر عن مقتل قيادات رفيعة، تبعه رد إيراني عنيف بإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة، مما خلّف عشرات القتلى ومئات الجرحى في الجانبين حتى الآن.
يُظهر هذا التصعيد الأخير أن الحرب بين إيران وإسرائيل لم تعد تقتصر على ساحات المعركة التقليدية، بل انتقلت إلى الفضاء الرقمي، حيث تُستخدم التكنولوجيا كسلاح إستراتيجي يوازي الصواريخ والطائرات من ناحية التأثير. ومع تزايد الاعتماد على الأنظمة المتصلة بالإنترنت، يبدو أن ساحات الحرب المستقبلية قد تُحدّد بمن يتحكم في البيانات أولاً، لا بمن يمتلك أكبر ترسانة حربية.



