المغرب يواجه تحدي الإجهاد الحراري: كيف تحمي نفسك وأحبابك من مخاطر موجات القيظ؟

تشهد مناطق واسعة في المغرب خلال فصل الصيف موجات حرارة قياسية، ممهدة لظهور ما يعرف بـالإجهاد الحراري، الذي بات يشكل تهديداً حقيقياً للصحة العامة، لا سيما في صفوف الفئات الهشة. ففي ظل درجات حرارة قد تتجاوز 45 درجة مئوية في مناطق مثل الراشيدية وطاطا وزاكورة، يواجه السكان تحديات صحية تتجاوز مجرد الإحساس بالحرارة، لتصل أحياناً إلى حالات حرجة تستدعي تدخلاً طبياً عاجلاً.
– الموجات الحرارية: أثر على الجسد والنفس
يُعتبر الإجهاد الحراري حالة مرضية تحدث عندما يعجز الجسم عن الحفاظ على درجة حرارته الطبيعية نتيجة التعرض المفرط للحرارة. يزداد خطر هذه الحالة في غياب الترطيب الكافي أو الاستراحة من العمل في فترات الذروة. جسدياً، يصاحب الإجهاد الحراري أعراض مثل الصداع، الدوخة، اضطرابات التعرق، وتسارع نبضات القلب. قد تتطور هذه الأعراض إلى ضربة شمس حادة يمكن أن تفضي إلى الوفاة إذا لم يُتدارك الأمر بسرعة.
لا يقتصر التأثير على الجانب العضوي فقط، فاللحرارة المرتفعة تأثيرها على الصحة النفسية أيضاً. حيث تؤدي إلى زيادة القلق، التوتر، نوبات الغضب، ارتفاع حالات الأرق والإرهاق الذهني، خصوصاً لدى كبار السن وذوي الأمراض العصبية. يتفاقم الوضع في المدن والقرى التي تفتقر إلى وسائل تكييف أو تبريد كافية، حيث يصبح المناخ الحار عاملاً ضاغطاً يومياً يتسبب في تدهور الحالة النفسية والعقلية للسكان.
يشير الدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية، إلى أن “موجات الحرارة يمكن أن تؤدي إلى الوفاة أو إلى مضاعفات صحية خطيرة بسبب الجفاف أو الضربة الحرارية أو كليهما. والمخلفات الصحية يمكن أن تصيب الجميع، وبدرجة أكبر المسنين والأطفال.”
– احتياطات ضرورية للحماية
للوقاية من الإجهاد الحراري، يوصي الدكتور حمضي باتباع جملة من الاحتياطات الوقائية، دون انتظار ظهور أعراض الخطورة كالإعياء، الدوار، العطش الشديد، الألم بالرأس، التشنجات العضلية، الغثيان، القيء، الإسهال، الهذيان أو فقدان الوعي. وتشمل هذه الاحتياطات:
– شرب الماء والسوائل باستمرار قبل الإحساس بالعطش، وعدم الاكتفاء بالماء فقط بل شرب العصائر والشوربة وأكل الفواكه والخضر للحصول على الأملاح المعدنية. تجنب الشاي والقهوة والمشروبات السكرية.
– أخذ “دوش” رشاش عدة مرات في اليوم للفئات الهشة عند الاستطاعة دون تجفيف الجسم بالفوط بعد الحمام، أو استعمال بخاخ مائي أو تبليل الجسم مباشرة بالماء خصوصاً الوجه والأطراف وجذع الجسم.
– تعريض الأطراف المبللة للهواء والريح أو ريح المروحة الكهربائية أو اليدوية، خاصة بالنسبة للمسنين.
– تناول وجبات خفيفة وعلى مرات متعددة في اليوم، والتركيز على الخضر والفواكه لمد الجسم بحاجياته من الماء والأملاح دون إنهاكه.
– الحفاظ على برودة المنزل أثناء النهار بإغلاق النوافذ لمنع تدفق الحرارة المفرطة من الخارج، وفتح النوافذ والباب أثناء الليل وفي الصباح الباكر لخلق تيار هوائي. استخدام المكيف الهوائي إن أمكن والمروحيات الهوائية خصوصاً بعد تبليل الجسم بالماء.
– تجنب الخروج أثناء الأوقات الأشد حرارة في اليوم (من 11 صباحاً إلى 9 مساءً). عند الضرورة، ارتداء ملابس قطنية خفيفة وفضفاضة فاتحة اللون مع قبعة كبيرة، وتجنب النشاط البدني المجهد والبقاء في الظل ما أمكن.
– عدم ترك الأطفال والأشخاص المسنين أو المرضى أو ذوي الاحتياجات الخاصة داخل السيارات لوحدهم.
– في المستشفيات ومراكز إيواء المسنين، توفير مكيفات هوائية بقاعاتهم، وإن تعذر ذلك، تخصيص قاعة مكيفة يتناوبون عليها لمدة ثلاث أو أربع ساعات لكل مجموعة لتجنب الإجهاد الحراري.
– الفئات الهشة: حاجة متزايدة للحماية
تتجلى خطورة الإجهاد الحراري بشكل أكبر في صفوف الفئات الهشة، على رأسها الأطفال وكبار السن والمصابون بأمراض مزمنة. هؤلاء لا يمتلكون دائماً القدرة الجسدية أو المعرفية للتعامل مع الحرارة المفرطة. فالأطفال يفقدون السوائل بسرعة، بينما يواجه كبار السن ضعفاً في آليات تنظيم حرارة الجسم. كما أن المرضى المصابين بأمراض مزمنة مثل السكري أو القلب يعانون من قدرة محدودة على التكيف مع التغيرات المفاجئة في درجة الحرارة.
يؤكد الدكتور حمضي على ضرورة “شرب كبار السن لكميات كبيرة من المياه، بالرغم من عدم الشعور بالعطش، نظراً لنسب الجفاف العالية التي تحدث جراء نقص الغدد التي تطلق العرق، إضافة إلى أنهم نادراً ما يشعرون بالعطش. نفس الشيء ينطبق على الأطفال الصغار، بحيث يجب تحفيزهم لشرب الماء، وعدم التعرض المباشر لأشعة الشمس.”
يرتبط الوضع الاقتصادي والاجتماعي أيضاً بعملية الإجهاد الحراري، فالأشخاص الذين يعيشون في منازل صغيرة بدون مكيفات أو تهوية يكونون أكثر عرضة للإجهاد الحراري، بالإضافة إلى العمال في بعض المهن التي تفرض مواجهة مباشرة مع أشعة الشمس مثل البناء والفلاحة. يضاف إلى ذلك عدم إمكانية هؤلاء الأشخاص من زيارة الأطباء المختصين في حال الشعور بأعراض الإجهاد الحراري، وهذا يتداخل فيه العامل الاقتصادي وعامل الوعي.



