لدغات العقارب: الكي والأعشاب تضاعف الخطر.. تحذير حمضي

في ظل استمرار لدغات العقارب كتهديد صامت للأرواح، خصوصاً في القرى النائية والبيئات الصحراوية بالمغرب، حيث تفتقر العديد من المناطق القروية إلى البنية التحتية الطبية اللازمة، يبرز التباين بين الطب الشعبي والطب الحديث. ومع تسجيل عشرات الحالات سنوياً، وتضرر الأطفال والمسنين بشكل خاص، شدد الدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية، على ضرورة الوعي الصحي المتكامل لتقليل الخسائر البشرية.
– العلاجات الشعبية: بين الموروث والخطر المميت
في غياب الخدمات الطبية القريبة، يلجأ بعض السكان إلى العلاجات التقليدية المتوارثة، والتي لا تزال تمارس في كثير من المناطق النائية. وتشمل هذه الممارسات الكي بالنار مباشرة في موضع اللدغة، اعتقاداً بأن الحرارة تحرق السم وتمنع انتشاره. كما تُستخدم بعض الأعشاب المحلية مثل الحنظل، الشيح، قشور الرمان المرة المجففة، أو الحرمل، حيث تُسحق وتوضع على الجلد المصاب. بالإضافة إلى ممارسات أخرى مثل مص الدم أو شق الجلد لتفريغ السم باستخدام أدوات حادة. وفي بعض المناطق، لا يزال الاعتقاد قائماً بأن بعض الأشخاص “ذوي البركة” يمتلكون قدرات على علاج لسعات العقارب دون دواء أو أعشاب، ويُعرفون بـ “الفقها”، ويُعتقد أن مجرد نفثهم أو تلاوتهم لآيات قرآنية كفيل بوقف تأثير السم.
يحذر الدكتور حمضي في تصريحه لـ 2m.ma من هذه الممارسات، قائلاً: “عندما ترتفع حرارة الجو تخرج العقارب من جحورها للبحث عن أماكن باردة، مثل منازل الناس، وهنا يجب التأكيد على مسألة مهمة وهي ضرورة حماية البيت وتنظيفه، لأن 70% ممن يتعرضون للدغات العقارب يكونون في منازلهم، وليس في الحقول، وبالتالي الحماية تكمن في الوقاية والتوعية”.
https://youtu.be/wM5ytHCDHEgوأضاف: “المغرب يعرف سنوياً حوالي 30 ألف حالة تعرضت للدغات العقارب، أغلبها غير خطرة، لكن هناك استثناءات تحدث فيها وفيات، وهنا مكمن الخطورة، لأن بعض الناس خاصة في القرى يعتمدون آليات تقليدية للاستشفاء… وهذا يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات خطرة قد تفضي إلى الموت. وبدلاً عنه، يجب فقط تنظيف الجرح بالكحول، والتوجه إلى أقرب مركز صحي، في حال إذا ما كانت الحالة عادية، أما إذا كان هنالك خطر، يترجم في القيء أو الإسهال أو ارتفاع ضغط الدم، فيجب التوجه إلى الإنعاش.”
– الطب الحديث: التشخيص السريع والمصل المنقذ
يُعد المصل المضاد لسم العقرب العلاج الأساسي المعتمد في الطب الحديث، إلى جانب الرعاية الداعمة التي تشمل السيطرة على الأعراض العصبية والتنفسية. وقد أشار تقرير نُشر في المجلة الطبية Toxicon عام 2021 إلى أن احتمالية الوفاة تقل بنسبة 92% إذا تم إعطاء المريض المصل خلال أول ثلاث ساعات من الإصابة. يؤكد الدكتور حمضي أن “كل دقيقة بعد اللدغة قد تكلف المريض حياته، خاصة إذا كان طفلاً أو مسناً أو مصاباً بأمراض مزمنة”. ويُشير إلى أن المصل يعمل على تحييد السم ومنع انتشاره في الجسم، مما يقلل من خطر المضاعفات القلبية والعصبية، ويكون فعالاً بشكل أكبر إذا أُعطي خلال الساعات الأولى.
غير أن هذا النوع من العلاج لا يتوفر دائماً في القرى البعيدة، حيث تعاني المراكز الصحية من نقص في التجهيزات، كما أن صعوبة الوصول إلى المستشفيات تتسبب في تأخير العلاج، وغالباً ما يُنقل المرضى بوسائل بدائية، أو يضطرون لانتظار ساعات طويلة قبل الحصول على الرعاية المناسبة.
– فجوة الوعي الصحي والتعامل مع التسمم
لا يقتصر تحدي سم العقارب على نقص التجهيزات الطبية، بل يتعداه إلى ضعف الوعي الصحي لدى السكان المحليين، خصوصاً في المناطق القروية. ذاك أن أغلب السكان هناك لا يعرفون الخطوات الإسعافية الأساسية بعد لدغة العقرب، وغالباً ما يلجؤون أولاً إلى “علاجات شعبية” قبل التفكير في التوجه إلى المستشفى. هذا الجهل بالإجراءات الصحيحة يُفضي إلى تأخر العلاج، ما يزيد من خطر حدوث مضاعفات خطيرة قد تكون قاتلة.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور الطيب حمضي أن “التعامل مع لسعة العقرب يجب أن يكون طبياً صرفاً منذ اللحظة الأولى، وأي تأخر أو لجوء إلى علاجات تقليدية يُضاعف الخطر، خصوصاً عند الأطفال”، مشدداً على “ضرورة تعميم حملات التوعية الموسمية لتصحيح الممارسات الإسعافية الخاطئة لدى السكان”.



