سياحة المغرب: 45 مليار درهم إيرادات ماي 2025 وتحول هيكلي نحو 2026

السياحة المغربية تواصل صعودها: 45 مليار درهم إيرادات سفر في مايو 2025 وتوقعات بتجاوز أهداف 2026
شهد قطاع السياحة المغربي أداءً استثنائياً مع بلوغ إيرادات السفر في نهاية مايو 2025 الجاري ما مجموعه 45 مليار درهم، مسجلة ارتفاعاً بنسبة 7.5% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. هذا النمو يعكس، بحسب الخبراء، متانة القطاع السياحي المغربي وقدرة المملكة على حجز مكانة تنافسية في الساحة السياحية العالمية.
تحول هيكلي ونمو مستدام
أكد الخبير السياحي الزوير بوحوت أن “قطاع السياحة المغربي يواصل مسيرته التصاعدية الاستثنائية، ويؤكد مجدداً أنه يسير على طريق الأداء المستدام”. وبالوتيرة الحالية، يتوقع بوحوت أن المغرب “في طريقه لتحقيق الهدف الطموح المتمثل في 120 مليار درهم من الإيرادات السنوية، الذي حُدد في خارطة الطريق السياحية لسنة 2026، وذلك قبل الموعد بسنة كاملة”.
وفي حديثه عن التطور الذي شهدته الإيرادات السنوية خلال السنوات الماضية، قال الخبير لموقع القناة الثانية: “في سنة 2019، أي قبل الجائحة، بلغت إيرادات السفر 78.7 مليار درهم، وهو رقم اعتبر حينها تاريخياً وغير مسبوق. وبعد أقل من خمس سنوات، وتحديداً سنة 2024، بلغت هذه الإيرادات 112.5 مليار درهم، أي بزيادة تقارب 43% مقارنة بسنة 2019”. وتابع مؤكداً: “هذه الزيادة لا تندرج فقط ضمن منطق التعافي، بل تعكس تحولاً هيكلياً في النموذج السياحي المغربي، المبني على تنويع العرض، والتركيز على التجارب السياحية الأصيلة، والاستهداف الدقيق للأسواق ذات الإمكانات العالية، إلى جانب تموقع المغرب كوجهة للسياحة المستدامة والثقافية”.
– من الانهيار إلى التعافي والازدهار
لاستعراض هذه الدينامية، أشار بوحوت إلى فترة ما قبل الجائحة، بين سنتي 2005 و2015، حيث انتقلت الإيرادات السياحية من 40.9 مليار درهم إلى 61.1 مليار درهم، بزيادة قدرها 49% خلال عشر سنوات. وأوضح أن تلك المرحلة كانت مدفوعة بالاستراتيجيات الأولى للقطاع مثل “رؤية 2010” و”رؤية 2020″، والتي “ساهمت في الرفع من جودة العرض السياحي، وتوسيع الربط الجوي بين المغرب والأسواق المصدرة للسياح”.
أما خلال الفترة الممتدة من 2014 إلى 2019، فقد ارتفعت الإيرادات من 62 مليار درهم إلى 78.7 مليار درهم، بنمو نسبته 27%. وشهدت هذه الفترة، حسب الخبير، “تعزيز الربط الجوي مع أوروبا والخليج، والانفتاح على أسواق جديدة كالصين والبرازيل”. غير أنها تبقى “أقل من القفزة النوعية التي سجلها القطاع بعد الجائحة، بفضل الاستراتيجيات الجديدة التي أُطلقت في مرحلة التعافي”.
شكلت جائحة كوفيد-19، وفق بوحوت، “زلزالاً حقيقياً للقطاع”. فقد تراجعت الإيرادات سنة 2020 إلى 36.4 مليار درهم، بانخفاض بلغ 53.7%، ثم إلى 34.5 مليار درهم سنة 2021، ما أدى إلى “تبخر أكثر من عقد من التراكمات في غضون سنتين فقط”. وأكد أن “هذا الانهيار الذي شمل جميع الأسواق العالمية، أبرز هشاشة القطاع السياحي وضرورة إعادة النظر في أسسه، ليصبح أكثر مرونة واستدامة”.
في سنة 2022، بدأ المغرب مرحلة تعافٍ قوية، حيث قفزت الإيرادات إلى 93.8 مليار درهم، بزيادة ضخمة بلغت 171% مقارنة بسنة 2021. هذا الانتعاش جاء نتيجة إطلاق حملة “أرض الأنوار” التي أشرف عليها المكتب الوطني المغربي للسياحة، وتعزيز حكامة القطاع، إلى جانب الاستثمارات في الجودة والتكوين والتسويق الرقمي.
وتابع: “استمرت وتيرة النمو في سنتي 2023 و2024 بوتيرة إيجابية ومستقرة، حيث بلغت نسبة النمو 11.5% ثم 7.5% على التوالي، لتصل الإيرادات إلى 112.5 مليار درهم، أي ما يعادل 34 مليار درهم فوق مستوى 2019. وهو ما يعكس أن المغرب لا يكتفي فقط باسترجاع مكاسبه ما قبل الأزمة، بل يتجاوزها ويعزز موقعه كوجهة متميزة”.
– تجارب جديدة في صلب النمو
أكد بوحوت أن “تحقيق 45 مليار درهم من الإيرادات خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025 يجسد هذا التحول العميق في بنية القطاع”. مشيراً إلى أن “المغرب أصبح يقدم عرضاً متجدداً ومتطوراً، ويستفيد من حملات ترويجية مدروسة، وتحسن كبير في الربط الجوي، لا سيما مع العواصم الأوروبية”.
ولم يغفل الخبير الحديث عن أهمية التوجهات الجديدة التي برزت في السوق مثل السياحة الطبيعية، والسياحة السينمائية، والدينية، فضلاً عن الدور المتصاعد الذي تلعبه الجهات كجهة مراكش-آسفي، الداخلة-وادي الذهب، وسوس-ماسة، ودرعة-تافيلالت. مشدداً على أنها أصبحت تشكل “محركات حقيقية للنمو، بفضل استثمارها في نقاط القوة المحلية، وتكاملها مع استراتيجية التنمية الجهوية، وانخراطها في تطوير السياحة الداخلية، التي ساهمت بدورها في دعم استقرار القطاع وتعزيز العائدات في الفضاءات البعيدة عن المدن الكبرى”.
واختتم الخبير السياحي حديثه بالتأكيد على أن “الهدف المعلن بتحقيق 120 مليار درهم من الإيرادات سنة 2025، لم يعد مجرد رقم في وثيقة استراتيجية، بل أصبح طموحاً واقعياً وممكناً”. مسجلاً أنه “يجسد نجاح النموذج المغربي الجديد للسياحة الذي بات أكثر ذكاءً، ورقمنة، وتنوعاً، وارتباطاً بالمجالات الترابية والثقافية”.



