Hot eventsأخبارأخبار سريعةعين العقل

المطر قاتل: من فاس إلى آسفي… سؤال المسؤولية المؤجل

لم يكد يمضي أسبوع على فاجعة انهيار عمارتين بفاس، التي أودت بحياة 22 مواطناً، حتى وجد المغاربة أنفسهم أمام مأساة جديدة، هذه المرة بمدينة آسفي، حيث تحولت أمطار رعدية—وُصفت بأنها قوية لكن قصيرة زمنياً—إلى سيول جارفة خطفت الأرواح وفضحت أعطاباً مزمنة في تدبير المجال الحضري ومراقبة البنيات التحتية.

حصيلة أولية مؤلمة: 14وفاة مؤكدة، وعشرات المنازل والمحلات غمرتها المياه، وسيارات جُرفت بقوة السيول، وطرق قُطعت عن الحركة. أرقام لا ينبغي التعامل معها كأحداث معزولة أو قضاء وقدر، بل كمؤشرات واضحة على خلل بنيوي يتكرر كلما هطلت الأمطار، ولو كانت محدودة زمنياً.

السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: كيف لأمطار دامت ساعة واحدة أن تُسقط هذا العدد من الضحايا؟ الجواب المؤلم يبدأ من غياب المراقبة الدورية لمجاري المياه، ومن توسع عمراني غير محسوب، ومن مشاريع تُنجز بلا صيانة حقيقية، وينتهي عند ثقافة الإفلات من المحاسبة.

المغاربة لم ينسوا بعد صدمة فاس، حتى صُدموا بآسفي. هذا التتابع الزمني للفواجع ينسف أي خطاب يختبئ خلف الظروف الاستثنائية. الاستثناء الحقيقي هو استمرار الإهمال، وتأجيل الإصلاح، وتطبيع المجتمع مع الموت المجاني.

صحيح أن السلطات أعلنت تعبئة شاملة وعمليات إنقاذ وإغاثة، وهي جهود تُشكر عليها الأطقم الميدانية، لكن السؤال الأهم لا يتعلق بما بعد الكارثة فقط، بل بما قبلها: أين كانت المراقبة؟ أين كانت الصيانة؟ وأين هي تقارير الافتحاص والمساءلة؟

إن الكوارث الطبيعية لا تُقاس بكمية الأمطار وحدها، بل بمدى جاهزية المدن وقدرتها على الصمود. وعندما تفشل هذه الجاهزية، تتحول الظواهر الطبيعية إلى مآسٍ بشرية، ويصبح المسؤول الأول هو الإهمال، لا الغيث.

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يحتاج المغرب إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة ربطاً فعلياً لا خطابياً. يحتاج إلى إعلان واضح بأن أرواح المواطنين ليست أرقاماً عابرة في بيانات رسمية، وأن كل فاجعة دون محاسبة هي دعوة صريحة لتكرارها.

من فاس إلى آسفي، الجرح واحد، والسؤال واحد: متى تتحول المحاسبة من وعد مؤجل إلى فعل يحمي حياة المغاربة؟

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تفقد أيضا
Close
Back to top button