أسلحة روسية سرية في مالي وغويتا يتوعد الجزائر؟

في تطور قد يغير قواعد اللعبة الجيوسياسية في منطقة الساحل الأفريقي، كشف رئيس المجلس العسكري الانتقالي في مالي، سيمي غويتا، عن حصول بلاده على أسلحة روسية “متطورة” و”سرية” لا يمكن الحصول عليها حتى بالمال. هذه التصريحات النارية، التي أدلى بها غويتا لتلفزيون مالي الرسمي فور عودته من موسكو، أثارت موجة واسعة من التكهنات والتساؤلات حول الرسائل الخفية التي يبعث بها لدول الجوار، وعلى رأسها الجزائر.
– أسلحة سرية وتهديدات مبطنة
صرح غويتا بوضوح: “لدينا اليوم معدات حتى لو كانت لديك المال لا يمكن الحصول عليها”، مشددًا على أن هذه الأسلحة “محاطة بسرية تامة”، ومضيفاً: “إذا تم الكشف عنها ستعتبر مالي تهديدًا حقيقيًا من قبل جيرانها”. هذه الكلمات المختارة بعناية أثارت تساؤلات حول الدولة المستهدفة من هذه الرسالة، فهل هي الجزائر ذات النفوذ الإقليمي البارز، أم دول أخرى مثل النيجر أو حتى فرنسا؟
الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية، رولند بيجاموف من موسكو، يرى أن هذه الرسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى شعب مالي وتجمع دول الساحل (مالي، بوركينا فاسو، والنيجر)، معتبرًا أنها تعكس طموح غويتا ليظهر كزعيم إقليمي. وأشار بيجاموف إلى وجود معلومات، وصفها بالغربية، عن وصول “الفيلق الأفريقي” الروسي وبعض البواخر الروسية إلى غينيا كوناكري، وإمداد الفيلق بمدفعية وأسلحة غير معروفة.
– النوايا الروسية: مكافحة الإرهاب أم موطئ قدم دائم؟
منذ سنوات، تروج موسكو لرغبتها في دعم دول الساحل الأفريقي في مكافحة الإرهاب. لكن الدعم العسكري غير التقليدي الذي تتلقاه الأنظمة العسكرية في مالي والنيجر يفتح الباب أمام جدل متصاعد حول النوايا الروسية الحقيقية. هل تسعى روسيا لبناء موطئ قدم عسكري دائم في قلب الساحل الأفريقي؟
أكد بيجاموف أن المهمة الرئيسية للفيلق الروسي والخبراء العسكريين الروس في هذه الدول هي “تدريب القوات وتجنب المشاركة في القتال”، رغم اعترافه بمشاركة الروس في بعض المعارك. وأشار إلى أن روسيا “غير مهتمة بتدهور علاقاتها مع الجزائر”، التي وصفها بـ”الحليفة الاستراتيجية والعسكرية”.
– الجزائر: تهديد داخلي أم قلق إقليمي؟
الخبير الأمني الجزائري، أحمد ميزاب، يرى أن رسالة غويتا موجهة بالدرجة الأولى “للداخل المالي”، ومن ثم “للفضاء الإقليمي المتعلق بالمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بالتحديد”، مؤكدًا أن “الجزائر غير معنية بهذه الرسائل وغير مقصودة حتى كذلك”.
وأضاف ميزاب أن العلاقة بين الجزائر ومالي قد تمر بـ”برود هادئ لكن دون توتر ظاهر”، وأن الجزائر “تظل دائما ذاك البلد الذي يرعى الحلول السلمية”. وعن مخاوف الجزائر من وصول هذه الأسلحة إلى الجماعات المسلحة في ظل الهشاشة الأمنية، أكد ميزاب أن “مسألة سقوط السلاح في يد التنظيمات الإرهابية أمر خطير وكذلك مهدد للاستقرار الإقليمي”.
تتزايد التساؤلات حول مستقبل الأمن في الساحل وحول المآلات المحتملة لتحول مالي إلى نقطة ارتكاز روسية في المنطقة. فهل تجر هذه الخطوة المنطقة إلى سباق تسلح جديد، أم ستتحول إلى عامل ضغط جيوسياسي في وجه قوى تقليدية كفرنسا والجزائر؟ يبدو أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من التعقيدات الجيوسياسية.