Hot eventsأخبارأخبار سريعةجهات المملكة

المغرب العميق يتحرك.. مسيرات الهوامش تفضح أعطاب السياسات العمومية بالعالم القروي

محمد زرود

في مشهد يعكس حجم المعاناة اليومية، انطلقت خلال الأسابيع الأخيرة مسيرات سلمية من قرى ومداشر مغربية في اتجاه العمالات والإدارات الإقليمية، تطالب بما هو أبسط من الشعارات: ماء صالح للشرب، طريق معبدة، وتغطية هاتفية وإنترنتية تُخرج هذه المناطق من عزلتها المتجذرة.

رغم الحديث المتكرر عن العدالة المجالية والبرامج التنموية الموجهة للعالم القروي، إلا أن الواقع يكشف عن فجوة عميقة بين الخطاب والممارسة، وعن تراكم اختلالات هيكلية في تدبير السياسات العمومية الموجهة لما يُعرف بـ”المغرب غير النافع”.

مطالب لا تُحتمل تأجيلًا

المتظاهرون لم يرفعوا مطالب سياسية ولا أيديولوجية، بل رفعوا صوتًا إنسانيًا واجتماعيًا يعبّر عن غياب ضروريات الحياة. لا يتعلق الأمر بتطلعات ترفيهية، بل بحقوق أساسية: الماء، الطريق، وربط العالم الخارجي بشبكات الاتصال.

في مناطق كثيرة، لا تزال النساء يقطعن الكيلومترات لجلب الماء، ويظل المريض تحت رحمة وعورة المسالك في غياب سيارة إسعاف أو مركز صحي قريب.

فشل المقاربة الفوقية

التحركات الاحتجاجية الأخيرة تُعيد إلى الواجهة سؤال فعالية السياسات العمومية، التي لا تزال تعتمد مقاربة مركزية وفوقية، تصاغ من الرباط أو العواصم الجهوية دون إشراك حقيقي للسكان المحليين.

والنتيجة: مشاريع لا تراعي الأولويات، وتدخلات متقطعة، وموسمية، وأحيانًا استعراضية.

العدالة المجالية.. شعار مع وقف التنفيذ

رغم مرور أكثر من عقدين على إطلاق برامج كبرى مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والبرنامج الوطني للطرق القروية، لا يزال العالم القروي يعيش على هامش التنمية، ويُنظر إليه كمجرد “ملف” ضمن خطط الوزارات، بدل أن يكون محورًا استراتيجيًا في بناء تنمية وطنية متوازنة.

الحاجة إلى تحول جذريما يحدث اليوم ليس مجرد احتجاجات متفرقة، بل هو تحول في وعي الهامش، ورسالة قوية مفادها أن الكرامة لا تقبل التأجيل.

إن إعادة النظر في النموذج التنموي القروي أصبح أولوية وطنية، وليس فقط محلية، ويتطلب:

إشراك الساكنة القروية في بلورة السياسات.

تمكين الجماعات من الوسائل والموارد الفعلية.رقابة صارمة على المشاريع.

استثمار جدي في الرقمنة والبنية التحتية.

الخلاصة

تحرك الهوامش اليوم هو تحرك الوعي، وصوت المغرب العميق الذي يطالب بحقه في الماء، والكرامة، والوصل بالعالم. فهل تنصت السياسات؟ أم أن الهوامش ستظل تتحرك إلى أن تُرسم لها حدود في قلب الاهتمام؟

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button