المغرب بين محاولات النهوض ونداءات الهامش: قرى تُقاوم بصمت

فلسطين / بقلم: سجى عبد المجيد شبانة
على ضفاف الحلم المغربي، حيث تتسابق المدن نحو المستقبل وتتصاعد المؤشرات الاقتصادية في النشرات الرسمية، ثمة واقع آخر، مختلف تمامًا، ينبض بعيدًا عن الأضواء. في عمق الجغرافيا المغربية، وتحديدًا في الأرياف التي تطوّق جبال الأطلس، ما تزال قرى بأكملها تئن تحت وطأة التهميش، رغم كل ما بُذل من إصلاحات وخطط تنموية.
في تلك المساحات البعيدة عن العاصمة، يكتمل المشهد الإنساني بتفاصيله المؤلمة: أطفال يقطعون كيلومترات للوصول إلى مدارس قديمة، نساء يلدن على قارعة الطريق في غياب سيارات الإسعاف، وشباب يتسربون من المدارس بحثًا عن قوت يومهم في المدن أو خلف البحار.
الواقع بالأرقام: الفجوة المجالية لا تزال قائمة
بحسب تقارير المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، فإن نسبة الفقر في المناطق القروية لا تزال تتجاوز في بعض الأقاليم 15%، بل وتصل إلى نسب أعلى في جهات مثل بني ملال-خنيفرة ودرعة-تافيلالت. وتشير تقارير دولية صادرة عن اليونيسف والبنك الدولي إلى أن هناك فجوة مجالية واضحة في مؤشرات التنمية، لا سيما في الصحة والتعليم والبنية التحتية.
فرغم الجهود المبذولة، لا يزال معدل الهدر المدرسي بين الفتيات القرويات مرتفعًا، وقد تجاوز 30% في بعض المناطق النائية، بسبب بعد المدارس، الظروف الاقتصادية، وقيود العادات الاجتماعية.
شهادات من الهامش: وجوه لا تعرف الكاميرا
في قرية صغيرة قرب إقليم بولمان، التقت “الصحافة الإنسانية” بالطفلة فاطمة، 14 عامًا، التي قالت بنبرة خجولة:
“أحلم أن أكون طبيبة، لكن المدرسة تبعد عنا أكثر من ساعة مشيًا، وفي الشتاء لا نخرج بسبب الثلوج والسيول.”
أما سعيد، فلاح من نواحي سوس ماسة، فعبّر بحرقة:
“نحن لا نطلب شيئًا كبيرًا… فقط الماء والطرقات. نخسر المواسم، ونسافر للمدن نبحث عن عمل موسمي، ونعود أكثر تعبًا.”
المرأة القروية: عبء يومي ومكانة مغيبة
لا يخفى على أحد أن المرأة القروية في المغرب تتحمل أعباء مضاعفة، فهي أم وربة منزل، وعاملة في الحقل، ومعلمة في البيت، وممرضة عند الحاجة. ومع ذلك، تفتقر إلى الحد الأدنى من الرعاية الصحية، ويزداد الوضع تأزمًا في المناطق التي تفتقد للمراكز الصحية أو تعاني من نقص الأطر الطبية.
تُظهر أرقام وزارة الصحة المغربية أن نسبة وفيات الأمهات عند الولادة لا تزال أعلى في القرى مقارنة بالمدن، رغم الانخفاض العام على المستوى الوطني.
محاولات للنهوض: المبادرات والبرامج الوطنية
لا يمكن إنكار ما حققته مبادرة التنمية البشرية منذ انطلاقتها سنة 2005، من دعم للبنية التحتية ومشاريع الإدماج الاجتماعي، إلا أن التحدي الأكبر يتمثل في ضمان الاستدامة، وتحقيق العدالة المجالية.
كما أطلق المغرب برامج كبرى مثل الحماية الاجتماعية الشاملة، وبرنامج “مدن بدون صفيح”، إضافة إلى مشاريع الربط الطرقي والمائي للقرى النائية، إلا أن أثر هذه البرامج لم يصل بعد بشكل ملموس إلى كثير من الجهات الجبلية التي تحتاج تدخلاً خاصًا.
بين خطاب التنمية ونداء الإنسانية
ليس المقصود من هذا التقرير تسليط الضوء على العجز، بل لفت الانتباه إلى الأصوات التي لا تصل، والصور التي لا تُبث، والقصص التي لا تُروى.
إن العدالة المجالية ليست ترفًا، بل ركن أساسي في بناء دولة حديثة قوية. فحين تنعم المدن بالخدمات والمشاريع، بينما تنام القرى في الظل، تكون هناك فجوة أخلاقية قبل أن تكون تنموية.
في وطن يحتفي بتاريخه، ويطمح لمستقبل زاهر، لا بد أن تظل القرى في قلب السياسات، لا على هامشها. فالمغرب القوي ليس هو المغرب السياحي وحده، ولا الحضري وحده، بل هو المغرب الذي يسمع نبض فاطمة في خنيفرة، وصدى سعيد في جبال سوس.
إنها دعوة لتكامل وطني، وإنصاف إنساني… فكرامة الإنسان لا تتجزأ.
الصحافة الإنسانية | أغسطس 2025



