Hot eventsأخبارأخبار سريعةثقافة و فن

ملامح ذاتٍ لم تكتمل بعد

كلما امتدت أيامي،
ازداد الاستذكار إلحاحاً،
وكلما قصُر الحبل،
اشتدّ ألم السوط،
وكلما علا صراخ السّاسة،
اختلطت الأصوات في ذهني.

أتكلّم—
وما عادت نبرتي نبرتي،
إنما استعارت نغمة، نحواً،
وجهاً مستعاراً في مرآة مستعارة،
تتلو ما خطّه الأسلاف والغرباء
الذين سمّوا عظامي قبل أن أزحف.

حتى الصمت،
مزدحم.

فكرةٌ ترتجف— خامة، مرتعشة—
لكن ما إن تلتمس شكلاً،
كلمة، أو إشارة،
حتى تنكسر.

تصيرُ أداءً،
تصيرُ قناعاً،
تصيرُ ذاك “أنا”—
الذي علّمني الآخرون أن أرتديه.

أدعو هذا “أنا”،
لكنّه حتى ذلك
يرنّ فارغاً.

هو صدى لصدى،
يظن نفسه وجوداً،
ولا يدري إن كان فكراً
أم ظلّ فكرٍ
يلتفّ حول العمود الفقري.

لا مخرج هناك—
لا عبر اللغة،
التي توثّق وهي تكشف.

ولا عبر الفنّ،
الذي يجرح ويجبر بضربة فرشاة واحدة.

ولا عبر العلم،
الذي يقيس النجوم
وينسى وجع النظرة.

مثلكم، أظن،
أسكن معابد من صنع الوهم:
أمم، عقائد، اقتصادات—
كلّها كنائس من سراب،
تطالب بالولاء،
وتشوّه انحناءة الروح
حتى تنطبق على مخطّطٍ
رُسم بالخوف،
ووقِّع في الغياب.

ومع ذلك—
تحت “الأنا” المتقنة،
تحت المتقمّص البارع—
ثمّة آخرٌ يتململ.

ثمّة شيء في لحظة اللعب،
في الرجفة التي تسبق التلفّظ،
حين تلامس اليد المرتجفة الصفحة
أو الإزميل
أو الوتر المهتزّ.

ومضة صدق تسكن هناك—
لا كجواب،
بل كسؤال.

لا كوضوح،
بل كمقاومة.

أحاول أن أكتبني حرًّا—
لا ذاك “الأنا” الذي صاغوه،
بل ذاك الذي لا يزال يتشكّل،
لا يزال يرفض،
لا يزال بلا نطق.

أحاول أن أتكلم بلسان غير مستعار،
أن أرقص خارج الرقصة،
أن أحلم بذاتي حتى تكتمل
دون أن أجمدها في صورة.

أفشل.

لكن في الفشل،
ألمح شيئاً أصدق
من الإتقان.

لعلّ المستقبل ليس غاية،
بل تناغم،
تحوّل دقيق نحو الانسجام—
لا مع الأرض والسماء فحسب،
بل مع الأجزاء الهادئة في داخلي
التي لا أزال
أتعلّم كيف أصغي إليها.

المفارقة باقية:
لأبلغ الحقيقة،
لا بدّ أن أعبر الوهم.

لكي أكون،
لا بدّ أن أمثّل—
وإن ترددت الحركة،
وإن التصق القناع.

لكي أتّصل،
لا بدّ أن أخاطر بسوء الفهم—
من الآخرين،
ومن ذاك “أنا” الذي لا يزال يدّعي المعرفة.

ومع ذلك،
في عمق الطبقات—
تحت الدور، والخطابة،
والمؤسسة، والتمثيل—
ثمّة نبضٌ مستمر.

ليس نقياً.
ولا يقين فيه.
لكنّه حيّ.
ويُصغي.

مترجم عن الإنجليزية

عبداللطيف زكي
الرباط، في 2 غشت 2025

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button