سجى شبانة: صوت صحفي من قلب فلسطين يرصد المأساة ويُجدد النداء للعالم

في ظل استمرار العدوان على قطاع غزة وتفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق، أجرى الإعلامي مصطفى بوريابة حوارًا خاصًا مع الصحفية الفلسطينية سجى عبد المجيد شبانة من مدينة الخليل، للوقوف عند تفاصيل الحياة اليومية لسكان القطاع المحاصر، واستجلاء أوجه المعاناة التي تحيط بالأسر والأطفال، في ظل غياب الكهرباء والماء والغذاء، وتحت وطأة القصف المتواصل.
من خلال شهاداتها التي تستند إلى تقارير ميدانية وإفادات مباشرة من داخل غزة، ترصد شبانة حجم المأساة الإنسانية، لكنها تسلط في الوقت نفسه الضوء على صور التضامن المجتمعي، وعلى المبادرات المحدودة لمواجهة الانهيار النفسي والمعيشي، كما تعلّق على المساعدات الدولية – ومنها المبادرة المغربية الأخيرة – وتوجه نداءً صريحًا إلى المجتمع الدولي مفاده: غزة ليست مجرد أرقام، بل شعب ينزف ويستحق الحياة.
س. كيف تصفين لنا الحياة اليومية في غزة وسط استمرار القصف والحصار وانقطاع الخدمات الأساسية؟
ج. من خلال شهادات متطابقة من داخل قطاع غزة، يمكن القول إن الحياة اليومية باتت أقرب إلى صراع مستمر من أجل البقاء. القصف المتكرر، والخوف الدائم، وانعدام الأمان أضحوا جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل اليوم العادي. يتنقل المواطنون بين الملاجئ والمستشفيات والأسواق – إن وُجدت – في محاولات متكررة لتأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة، وسط انقطاع مستمر للكهرباء والماء، ونقص حاد في المواد الغذائية والطبية. الواقع قاتم، لكنه لا يخلو من إرادة صلبة للبقا.
س. ما هي أكبر التحديات التي تواجه العائلات في ظل نقص الماء، الكهرباء، والمواد الغذائية؟
ج. تشير تقارير ميدانية وشهادات سكان إلى أن التحدي الأكبر ليس فقط في الحصول على الحاجات الأساسية، بل في الصمود النفسي أمام هذا الحرمان المزمن. الأسر تُجبر على تقنين المياه، والاعتماد على وسائل بدائية للطبخ أو التدفئة. الغذاء لا يكفي، والأسواق شبه خالية و باهظة الثمن، ما يجعل توفير وجبة يومية كاملة مهمة شبه مستحيلة، خاصة للعائلات الكبيرة أو من فقدت معيلها.
س. كيف تؤثر الأوضاع الحالية على الأطفال نفسيًا وتعليميًا، وهل توجد أي مبادرات محلية لدعمهم؟
ج. تُظهر إفادات مختصين في الصحة النفسية أن الأطفال في غزة يعانون من اضطرابات واضحة كالأرق، والتبول اللاإرادي، ونوبات الفزع، إضافة إلى تراجع في مستواهم الدراسي بسبب توقف المدارس وتدميرها ورغم ذلك، هناك محاولات محلية محدودة لمواجهة هذا الواقع، كأنشطة نفسية ترفيهية تديرها مؤسسات محلية بالتعاون مع متطوعين، لكنها لا تكفي أمام حجم المعاناة الكبير.
س. هل يمكن أن تحدثينا عن الدور الذي يلعبه التضامن المجتمعي داخل غزة لمواجهة هذه الظروف القاسية؟
ج. رغم كل شيء، يبقى التضامن المجتمعي في غزة واحدًا من أهم أدوات النجاة. العائلات تتقاسم الطعام، والجيران يمدّون يد العون لبعضهم البعض، والمبادرات الشعبية لتوزيع الخبز والماء والملابس للأطفال قائمة رغم شح الموارد. يبدو أن المجتمع الغزي يستحضر كل ما لديه من قيم التراحم والتكافل لمواجهة غياب الدولة وتراجع الدعم الخارجي.
س. ماذا تودين قوله للعالم الخارجي الذي يتابع ما يجري في غزة من بعيد؟
ج.الوجع في غزة ليس خبرًا عابرًا، وليس مجرد أرقام. هو يوميات ناس، وطفولة ضائعة، وأحلام تنهار تحت الأنقاض. من المهم ألا يعتاد العالم على مشهد الموت والدمار في غزة. الصمت ليس حيادًا، بل شكل من أشكال التواطؤ. غزة بحاجة إلى صوت كل إنسان حر، وإلى فعلٍ يتجاوز التعاطف.
ج. هذه المبادرات محل تقدير بالغ، خاصة أنها تعبّر عن مواقف إنسانية نبيلة من شعوب شقيقة. المساعدات المغربية وصلت بالفعل إلى معبر رفح، وفق ما نقلته مصادر رسمية، وتم تسليم جزء منها للجهات المختصة. لكنها، وعلى أهميتها، تبقى قطرة في بحر الاحتياج اليومي داخل غزة، التي تحتاج إلى آلية مستدامة لدخول المساعدات وتوزيعها العادل، بعيدًا عن التعطيل أو التسييس.
س. كيف ترين صمت بعض الدول، مقابل مواقف داعمة من شعوب ودول أخرى؟ وما الذي تنتظرونه من العالم الآن؟
ج. الصمت الرسمي للبعض مؤلم، لكنه لا يُغطي على صوت الشعوب التي أثبتت أنها أكثر إنسانية من حكوماتها. نحن ننتظر فعلًا حقيقيًا، لا بيانات تنديد. ننتظر آلية دولية جادة لحماية المدنيين، وممرًا إنسانيًا دائمًا، ومحاسبة عادلة لكل من تسبب في هذه الكارثة المستمرة. غزة لا تطلب المستحيل، بل فقط ما يليق بكرامة البشر.



