Hot eventsأخبارأخبار سريعةالأنشطة الملكيةجهات المملكة

خطاب العرش يرسم خريطة طريق جديدة للعدالة المجالية ويضع حكومة أخنوش أمام امتحان تاريخي


ما تزال أصداء الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربعه على العرش تتفاعل في مختلف الأوساط السياسية والمدنية،خاصة في شقه المتعلق بالدعوة الملكية الصريحة إلى إحداث نقلة حقيقية في تأهيل المجالات الترابية وتدارك الفوارق المجالية والاجتماعية التي ما زالت تقوض جهود التنمية في المغرب.



الملك محمد السادس شدد في خطابه قائلا:

«لن أكون راضيا،مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية إذا لم تساهم بشكل ملموس في تحسين ظروف عيش المواطنين،من كل الفئات الاجتماعية وفي جميع المناطق والجهات»معبرا عن أسفه لاستمرار مظاهر الفقر والهشاشة في بعض المناطق،خصوصا في العالم القروي،نتيجة ضعف البنيات التحتية والمرافق الأساسية.

هذا التفاوت،حسب تعبير الملك يتنافى مع «تصورنا لمغرب اليوم ولا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية وتحقيق العدالة المجالية»،مؤكدا بحزم: «لا مكان اليوم ولا غدا لمغرب يسير بسرعتين».وهي عبارة تلخص رؤية ملكية ترفض استمرار فجوة التنمية بين مراكز المدن الكبرى والمناطق الهامشية والجبلية.

ولترجمة هذه الرؤية إلى واقع ملموس،وجه الملك الحكومة إلى إعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية،قوامها تثمين الخصوصيات المحلية وتكريس الجهوية المتقدمة ومبدأ التضامن والتكامل بين الجهات. كما شدد على ضرورة توحيد جهود مختلف الفاعلين حول أولويات واضحة ومشاريع يكون أثرها ملموسا في تحسين حياة المواطنين.

في هذا السياق،اعتبر محمد الديش رئيس «الائتلاف الوطني من أجل الجبل»،أن الحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش تواجه «امتحانا حقيقيا» ومسؤولية تاريخية لتنفيذ هذه التوجيهات الملكية على أرض الواقع. وأكد الديش أن تجاوز السياسات التقليدية التي أظهرت محدوديتها أصبح ضرورة ملحة، إلى جانب الاستثمار في المؤهلات المحلية وخلق فرص شغل لائقة لسكان الجبال وتعميم الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم-الصحة والحماية الاجتماعية.

ويرى المتحدث ذاته أن التنمية المنشودة لن تتحقق إلا عبر برامج ترابية مندمجة تراعي مبادئ الجهوية المتقدمة والتضامن الوطني، مقترحا إحداث آلية وطنية متخصصة لرصد العدالة المجالية وتتبع أثر السياسات العمومية،وكذا إقرار إطار تشريعي وسياسة عمومية خاصة بتنمية المناطق الجبلية.

كما حذر من استمرار التفاوتات الاجتماعية والمجالية رغم إنجاز مشاريع وطنية كبرى خلال العقود الماضية،مشددا على أن ذلك يفاقم هشاشة سكان الجبال، ويؤدي إلى الهجرة القسرية ويضعف ثقة المواطنين في المؤسسات العمومية. وأكد أن «تنمية المجالات الجبلية ليست امتيازا تمنحه الدولة،بل حق دستوري وتوجيه ملكي واستحقاق إنساني».

من جهته،يشير الخطاب الملكي بوضوح إلى ضرورة التفكير في التنمية كعملية شاملة ومستدامة، تعطي الأولوية للإنسان قبل الحجر وتراهن على تثمين الخصوصيات المحلية كقيمة مضافة في النموذج التنموي الجديد.فالرهان اليوم لم يعد فقط بناء طرق أو تجهيز بنية تحتية،بل ضمان عدالة مجالية حقيقية تجعل من التنمية حقا جماعيا يشمل كل جهات المملكة دون استثناء.

وهكذا لا تقتصر أهمية الخطاب الملكي في كونه رسالة سياسية،بل هو خريطة طريق واضحة تضع الحكومة ومختلف المؤسسات أمام مسؤولية تاريخية لتجاوز مرحلة التفاوتات وبناء مغرب متضامن يسير بسرعة واحدة وفق رؤية ملكية تعتبر العدالة المجالية جوهر المشروع الوطني للتنمية المستدامة.

إن دعوة جلالة الملك محمد السادس إلى إنهاء مغرب «بسرعتين» ليست مجرد خطاب مناسباتي،بل هي تجديد عميق للرؤية الاستراتيجية التي تضع الإنسان وكرامته في قلب التنمية. فالعدالة المجالية لم تعد خيارا سياسيا أو مطلبا محليا، بل أصبحت حجر الزاوية في مشروع وطني يهدف إلى بناء مجتمع متوازن متضامن وقادر على تحويل التحديات إلى فرص.

وتكمن قوة هذا التوجه الملكي في كونه لا يكتفي بتشخيص الفوارق،بل يطالب بجرأة بمراجعة السياسات العمومية وتجديد البرامج التنموية لتصبح أكثر شمولية وعدلا ونجاعة. وهو ما يحمل الحكومة وكل الفاعلين العموميين والمجتمع المدني مسؤولية تاريخية في ترجمة هذه الإرادة الملكية إلى نتائج ملموسة يشعر بها المواطن في حياته اليومية.

إنها لحظة فارقة لإعادة تعريف مفهوم التنمية، بعيدًاغ عن الأرقام والمشاريع الظرفية،نحو بناء مغرب جديد يسير بالفعل بسرعة واحدة، ويعطي لكل جهة وكل مواطن حقه الكامل في العيش الكريم والأمل بمستقبل أفضل.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button